top of page
صورة الكاتبرياض بـدر

وعلى المتضرر تمزيق الاتفاقات


رونالد ريغن وغورباتشوف يوقعان اتفاقية الصواريخ المتوسطة المدى النووية

ترامب المتعجرف كما يبدو للأخرين يعرف ما يفعل بالضبط رغم إن خطة إلغاء المعاهدات ليس من بنات أفكاره فهو يستعين بفريق مستشارين من لوبي متشعب يحكم فعليا الولايات المتحدة وسياستها الخارجية أبرزهم ثعلب السياسة الخارجية هنري كيسنجر الذي مازال اجتماعه بترامب إبان تسنمه الولاية لم يكشف النقاب عما دار فيه فهل ظهور الثعلب جاء ليس صدفة مع ظهور روسيا قوية مرة أخرى وبوادر ظهور كتلتين مرة أخرى! بل برأيي أن سياسة الكتلتين قد بدأت فعلا فلا أحد له خبرة هنري كيسنجر عندما نتحدث عن كتلة شرقية وغربية. وكيفية ضمان بقاء أوروبا حليف غير موحد إلى جانب الولايات المتحدة.


خريطة العالم السياسية لما بعد تفتيت الاتحاد السوفيتي والتي بدأت منتصف التسعينيات من القرن الماضي قد بدأت تتغير مع تغير مفاصل كبيرة وكثيرة جراء السياسة الأمريكية الجديدة من الغاء معاهدات قديمة أو حتى حديثة كالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني المشؤوم و الانسحاب من معاهدة باريس للمناخ والان مع اتفاقية عمرها أكثر من 30 عاما مبرمة مباشرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق والذي تمثله روسيا الأن وتم توقيعها عام 1987 بين رونالد ريغن وميخائيل غورباتشوف وتسمى معاهدة INF اختصار Intermediate- range of Nuclear Forces وبالتأكيد سيشهد العالم الغاء اتفاقيات أخرى في المدى المنظور فعليا قد تم خرق بنود اتفاقات عدة وقسم منها قد تم خرقها بالكامل رغم أنها موقعة من قبل دول عظمى فهذه الدول وان وقعت اتفاقيات شكلية نوعا ما لكن هي تطبق المبدأ الذي يقول " القانون وضع للضعفاء أما الأقوياء فهم قادرون على حماية أنفسهم"


المعاهدة كانت قد وضعت حدا لازمة نشر صواريخ من هذا النوع اندلعت في ثمانينات القرن الماضي عندما نشر الاتحاد السوفيتي صواريخ أس أس 20 والتي كانت حينها أحدث ما توصل إليه العقل البشري في مجال الصواريخ النووية متوسطة المدى مستبدلا جيلا من الصواريخ النووية السوفياتية القديمة SS 4 و SS 5.


تنص المعاهدة على سحب الصواريخ النووية الباليستية التي يتراوح مداها بين 500 و5 آلاف كم وكانت موجهة لعواصم في أوروبا الغربية وكانت فعلا تهديد مباشرة لا لبس فيه ضد حلفاء واشنطن في أوروبا.


تم في هذه المعاهدة سحب أكثر من 2600 راس نووي تقليدي وتجنيب أوروبا والعالم تصعيد لم يكن أحد يعلم إلى أين سيصل مداه حينها أثناء فترة الحرب الباردة وأثبتت الولايات المتحدة أنها كفيلة بالدفاع عن أوروبا وحلفائها سواء عسكريا أو دبلوماسيا رغم إن هذه الصواريخ لا تصل في مداها إلى الولايات المتحدة ولا تهددها بطريقة مباشرة لكن تهدد حلفائها ومن ثم ثقل أمريكا الدولي من خلال أوروبا.


ترامب يقول إن الروس قد خرقوا المعاهدة منذ سنين ويقصد منذ أول تحذير أمريكي لخروقات روسية للاتفاقية كان عام 2016 وان أوباما لم يستطع أن يردعهم, حيث إن المعاهدة لا تنص على تجنب أو منع الأبحاث لكنها تنص على عدم إجراء اختبارات أو نشر هذه الصواريخ أو أي صواريخ مستقبلية تحمل قدرات نووية وهذا ما فعله الروس فعليا فقد خرقوا المعاهدة عند إجراء اختبارات على صواريخ Novator 9M729 فلماذا خرق الروس هذه المعاهدة بالذات!


المعاهدة هي الوحيدة التي أبرمت بين الدولتين لنزع فتيل أزمة نووية خطيرة جدا وفعلا كانت الظروف حينها وصلت لازمة لا يحمد عقباها وظن العالم ولو لحد يومنا هذا إن المعاهدة قد كبحت الطموحات النووية إلى الأبد لكن . . . يبدو إن لوبي معين لا يود هذا أبدا.


الروس لم يكونوا بحاجة لخرق هذه المعاهدة لا سيما بوتين نفسه فهو يطمح لعلاقات قوية مع ترامب وبالفعل فعل ما بوسعه للتقارب معه رغم قضية التدخل المزعوم في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي فاز فيها ترامب على نظيرته هيلاري كلينتون وكان من الواضح إن بوتين يفضل أن يجلس ترامب أو الجمهوريين بمعنى اصح في البيت الأبيض فقد يكون بوتين يستعيد قول القيصر " الحرب رياضة الملوك" وبوتين أكثر رئيس عالمي يحب ممارسة الرياضة وعلنا.

فوائد منظورة

الطرفين حتما وعلى أرض الواقع مستفيدين من تمزيق المعاهدة على اختلاف الطريقة التي ستمزق بها أو من البادئ. فأوروبا في وضع لا تحسد عليه فالاتحاد الأوروبي في طريقه إلى التفتت خلال العشر سنوات القادمة أو في المدى المنظور كما يقال والولايات المتحدة بحاجة إلى أوروبا في سياستها الخارجية لكن بحاجة إلى أوروبا غير موحدة كي لا يظن الاتحاد الأوروبي أنه قوي بما فيه الكفاية لدرجة الابتعاد عن الفلك الأمريكي وتقليل الدعم لسياسة واشنطن هذا إن لم يكن فعلا قد بدأت هذه الخطوات وأيضا لا تقدم واشنطن تنازلات بأي طريقة تنم عن ضعف أو حاجة قوية لأوروبا مما يضعف موقفها أمام العالم وحلفائها في الشرق الأوسط.


لا تنسى أمريكا الموقف الأوروبي الموحد تجاه الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي ثم العداء الأوروبي المعلن والغير مبرر أبدا تجاه بعض حلفاء أمريكا خصوصا السعودية وإسرائيل وما تتهم به السعودية من تهم تصل لحد السذاجة في حين إن أوروبا تدعم أعتى وأخطر نظام إرهابي في العصر الحديث وهو نظام المرشد الأعلى في طهران والذي لم يتوقف لحظة عن انتهاكات حقوق الإنسان ونشر الرعب في كل مكان بل وصل به الحد إلى محاولة تفجير اكبر تجمع للمقاومة الإيرانية في قلب أوروبا – باريس والذي كان يحضره عشرات الشخصيات الدولية المهمة ومنهم أعضاء بالكونغرس الأمريكي ومسؤولين كبار وأيضا الآف الإيرانيين المعارضين ورغم ذلك ما تزال التحقيقات المضحكة والروتينية عن المحاولة هذه لا تتقدم إلا كخطوات السلحفاة في حين إن الجاني تم القبض عليه متلبسا وأداة الجريمة واضحة وتم التحرز عليها أي إنها قضية مكتملة الجوانب ولكن الاتحاد الأوروبي يصر على دعم إيران والتي هي عدو للسعودية وإسرائيل فعليا.


الانسحاب من المعاهدة سيجعل أوروبا ترجع إلى مخاوف الثمانينيات من القرن الماضي الأمر الذي سيجعلها حتما بحاجة الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما تريده أمريكا بالضبط فهل كان خرق بوتين للمعاهدة عن علم مسبق بأن هذا الخرق سيروق لترامب كي يجعل أوروبا تزحف على قدميها سعيا إليه أم إن بوتين فعليا يريد أن يزرع الرعب في أوروبا تحسبا لفتح ملفات كثيرة مثل ملف أوكرانيا وضم جزيرة القرم وإسقاط الطائرة الماليزية وملف سوريا الذي ما زال ينزف والأنظار تتجه نحو روسيا فقط كونها اللاعب الوحيد فعليا في سوريا أما الباقي على الأرض السورية فهم دمى تحركهم روسيا وفق إرادتها.


الروس بطبيعتهم مجازفين من الدرجة الأولى والتاريخ ليس بالبعيد يشهد لهم منذ أزمة خليج الخنازير ونشر الصواريخ في كوبا إلى حذاء خروتشوف في أجتماع للأمم المتحدة الذي أسكت به العالم عندما فقط انتقد الرئيس الفلبيني سياسة الاتحاد السوفيتي آنذاك فأجابه خروتشوف بالحذاء بعد أن رفض رئيس الجلسة مقاطعة الرئيس الفلبيني من قبل خروتشوف. ولا ننسى صراخه ضد الإمبريالية في كلمته في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في ستينيات القرن الماضي مشيرا بوضوح إلى أمريكا وحلفائها وفي أحد الخطب قال خروتشوف بالحرف الواحد للحلفاء "سأدفنكم" ولم يرد عليه أحد وصولا لقرار ضم شبه جزيرة القرم ومدينة سيفاستوبول من قبل بوتين إلى روسيا والتي تمثل منطقة مهمة جدا في سبيل السيطرة على البحر المتوسط قلب العالم.


المعاهدة كما يبدو من خلال الأحداث المتسارعة هذه الأيام أنها في طريقها إلى التمزيق فترامب قد عقد العزم على الانسحاب منها مكملا بذلك نهجه الذي بدأه بشطب وفضح سياسات وتصرفات سلفه أوباما, فقد فشل أوباما في هذا الملف أيضا كما فشل في الملف النووي الإيراني ولم يستطع أن يكبح جماح الروس, وشطب المعاهدة هذه ستكون نتائجه مذهلة ومربحة للطرفين كما أسلفت وستظل أوروبا تعاني من الموضوع فهذا الموقف الأوروبي الغير واضح من قضايا كبيرة تخص الولايات المتحدة سيكبدها خسائر هي في غنى عنها وما درس شارلي إيبدو ببعيد فمحاربتها ولو إعلاميا لحلفاء الولايات المتحدة والوقوف إلى جانب أعداء الولايات المتحدة وإسرائيل حتما ستكون له تبعات مأساوية فأوروبا ليست بحاجة لمليون لاجئ جديد ولا بحاجة إلى خروج أعضاء جدد من الاتحاد الأوروبي المتداعي أصلا ولا بحاجة لعمليات إرهابية هنا وهناك فهل ستعود إلى رشدها أم ذوي الدم البارد ليس بقاموسهم سوى الأنفة والنظر من فوق لباقي البشر!


خلق جمهوريات موز أخرى في مناطق جديدة قريبة من الصين وروسيا كما ذكرت في مقالة سابقة هو هدف أمريكي بحت وأمريكا تريد إقناع أوروبا بان تشاركها هذا الهدف والعمل عليه فقد تعلمنا من التاريخ أن الروس لا يجيدون التعامل مع جمهوريات الموز التي يحكمها مبدأ اللادولة, فهي جمهوريات مبنية على عصابات وميليشيات وقطاعي طرق الخ من كيانات إجرامية وهذا ما لا تتقبله العقيدة الروسية وليس لدى الروس خبرة في التعامل معه إطلاقا مما سيشكل نقطة ضعف خطيرة وبعض الأدلة ما زالت حية ليومنا هذا فها هي أفغانستان فبالرغم من مرور 17 عاما على غزوها بحجج أحداث سبتمبر 2001 ما زالت دولة منهارة تماما بل أسوء من جمهوريات الموز نفسها وطالبان التي من المفترض تم إقصائها بحرب عام 2001 من قبل كل دول العالم تقريبا بضمنهم روسيا تقودهم أمريكا باتوا اليوم يسيطرون على نحو 70% من أفغانستان بل وحتى إن الولايات المتحدة بدأت تفاوضهم رسميا خارج وداخل أفغانستان منذ فترة ليست بالقصيرة فيقفز السؤال وهو لماذا تفاوضهم وعلى ماذا!


الولايات المتحدة لها خبرة طويلة جدا في التعامل مع العصابات والمليشيات بل تكاد تكون خبرتها محصورة فعلا في خلق والتعامل مع هذه الأنواع من المجاميع لسهولة السيطرة عليها من خلال تسليط أحدهما على الأخر ودعم هذا ومعاداة ذاك ثم قلب الموازنة بمعاداة المدعوم سابقا ودعم الملعون سابقا كما يحدث في سوريا وأفغانستان والعراق وليبيا منذ تقريبا عقد ونيف.


العالم القادم يبدو انه عالم بعيد عن مقررات ومعاهدات الأمم المتحدة ومجلس الأمن فقد وصلت هاتين المنظمتين مرحلة التعفن ولا تنتظر سوى دفنهما ودفن كل ما نتج عنها خلال السبعة عقود الماضية فقد بات أرشيفهما السري والنتن أكبر من أرشيفهم النقي هذا إن وجد لديهم أرشيف نقي أصلا. تحيتي

٠ مشاهدة٠ تعليق

منشورات ذات صلة

عرض الكل

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page