لم تَعُد العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا علاقة ودية قط فقد وصفها أكثر من مسؤول امريكي وروسي انها في أسوأ حالاتها تاريخيا. فالطرفين قبل أيام قليلة وصلت الصدام بينهما بالقوات المسلحة وعلى ارض سوريا فالروس هاجموا قوات روسية ورد الامريكان بهجوم مميت على القوات الروسية وصلت بعض التخمينات بان الروس فقدوا أكثر من 200 قتيل في هجوم واحد لبضع دقائق. رغم انتشار فيديوهات مزعومة عن الهجوم الأمريكي على الروس وبغض النظر عن صحتها من عدمها يبقى ان الطرفين اعترفا بهذه الهجمات المتبادلة ووقوع قتلى من الجانبين. فهل تنذر هذه المصادمات ببدء صفحة جديدة من الهجمات المتبادلة تعكس الفشل الكبير للسياسة الامريكية في المنطقة سيما في العراق وسوريا والتي تدعم روسيا فيها ميليشيات إيرانية مباشرة لدحض وإفشال المخطط الأمريكي في المنطقة فجاءت ردة الفعل الامريكية لرد الاعتبار أو الحفاظ على ما تبقى من ماء الوجه هذا ان تبقى شيء. تصريحات كبار المسؤولين الأمريكيين خصوصا العسكريين منهم تدل على ان هناك خطوات أمريكية استراتيجية قد يتم البدء بها قريبا فهل سيكون الضحايا هذه المرة فقط من الميليشيات المتعاونة مع الطرفين وليس الأبرياء أم كالعادة سيكون الأبرياء هم وقود النار!
هاف بوست عربي قالت صحيفة بلومبيرغ الأميركية، إن روسيا هاجمت بالفعل القوات الأميركية وحلفاءها في سوريا، الأسبوع الماضي، وتكبدت خسائر فادحة، وذلك على عكس ما ينفيه الكرملين ووزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).
وعلى الرغم من إقرار الكرملين والبنتاغون من مشاركة "مرتزقة" روس في الهجوم على إحدى القواعد الأميركية في دير الزور، إلا أن موسكو تقول إنهم تصرفوا من تلقاء أنفسهم، ولم تكن تعلم أي شيءٍ عن الأمر.
الكذبة النبيلة
وينقل إيلي ليك، كاتب الرأي ببلومبيرغ وكبير مراسلي الأمن القومي السابق لموقع ديلي بيست الأميركي، وصف وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس للحادثة بأنها أمر محير، فقد قال للصحفيين: "ليست لدي أدنى فكرة عن السبب الذي قد يدفعهم للهجوم هناك، كان معروفاً أنَّ القوات (الأميركية) هناك، والروس بوضوح كانوا على علمٍ بذلك. كنا نعلم دائماً أنَّ هناك في ساحة المعركة المُعقَّدة للغاية تلك عناصر لا يمتلك الروس، حسبما أرى، سيطرةً عليها".
ويحلل الكاتب الأميركي تصريح ماتيس -الجنرال الذكي للغاية ذي الأربعة نجوم المتقاعد من مشاة البحرية الأميركية- ويرى أن حيرته في هذه المسألة لا تعدو كونها ما وصفه أفلاطون بـ"الكذبة النبيلة"، أي كذبة يقولها القائد لتحقيق منفعة اجتماعية أكبر. ففي حال اعترف ماتيس بما هو واضح، بأنَّ الكرملين سمح بشن هجومٍ مباشر على قاعدة ترعاها الولايات المتحدة من جانب جنود لا يرتدون الزي العسكري، فإنَّه سيخاطر بتصعيد الوضع الخطير في سوريا.
ويرى ليك أنه من الأفضل لوزير الدفاع الأميركي أن يُعبِّر عن حيرته ويمنح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فرصةً للتراجع ونفي مسؤوليته، وهو ما فعله بوتين في نهاية المطاف برغم الخسائر الكبيرة التي تكبَّدها مرتزقته.
"لكن لا تنخدعوا"، يقول الكاتب الأميركي؛ فهناك أدلة دامغة على أنَّ أولئك المتعهدين الروس كانوا يتحركون بناءً على رغبة الكرملين. والأكثر من ذلك هو أنَّ الروس كانوا على علمٍ بأنَّ جنود الجيش الأميركي موجودون في دير الزور، التي كانت جزءاً من اتفاقاتٍ متتالية لفصل أو "فض اشتباك" القوات التي تقاتل في سوريا.
ويؤكد الكاتب أن مسؤولين أميركيين يراقبون الوضع في سوريا، أكدوا أنَّه ما من شك في أنَّ الجيش الروسي كان على علمٍ تام بالهجوم في دير الزور.
الدور الذي يلعبه "المرتزقة"
كما أخبرته إيفيلين فاركاس النائبة السابقة لمساعد وزير الدفاع لشؤون روسيا وأوكرانيا ومنطقة أوراسيا في إدارة أوباما، يوم الخميس 15 فبراير/شباط، أنَّ "أي مرتزقة روس، سواءٌ كانوا في أوكرانيا أو سوريا، يعملون لصالح الحكومة الروسية".
هذه ليست حادثة، على وجه الخصوص بالنسبة للشركة المُتعهِّدة المعنية، شركة فاغنر. فأحد قادتها، وهو ديمتري أوتكين، كان مُقدِّماً سابقاً بجهاز المخابرات العسكرية الروسي. ويرتبط هو والشركة ارتباطاً وثيقاً بيفغيني بريغوجين، رجل الأعمال الثري المعروف باسم "طباخ بوتين"، لأنَّه يمتلك الشركات المُتعهِّدة بتقديم خدمات الطعام للكرملين.
ويُعَد المتعهدون مثل شركة فاغنر جزءاً أساسياً في استراتيجية روسيا الأوسع المتمثلة في "الحرب الهجينة"، وهي مزيج من الهجوم الحركي والمعلوماتي لتعزيز المصالح الروسية، كما كان الحال في نشر مقاتلين دون زي عسكري ساعدوا في ضم القرم من أوكرانيا عام 2014.
وعن الدور الذي يلعبه هؤلاء، قال الكاتب إن ماتي سومينارو الباحث بمعهد دراسات الحرب هذا الأسبوع أخبره أنَّ "هؤلاء يساعدون روسيا في التعتيم على الدور الروسي في سوريا. ففي شرقي سوريا، تقول وزارة الدفاع الروسية: "لم نكن على علمٍ بأنَّهم كانوا يفعلون ذلك". لكن من المُرجَّح للغاية أنَّ هذا جاء بتوجيهٍ ما من الدوائر العليا في الكرملين".
أخيراً، هناك نقاشٌ استراتيجي حول السبب الذي قد يدفع روسيا للمشاركة في هجوم دير الزور. فالسياسة الأميركية في الوقت الراهن مُربِكة بعض الشيء. وحين يتحدث ماتيس أو أي مسؤولين أميركيين آخرين علناً عن المهمة الأميركية في سوريا، يقولون فقط إنَّ هدفها هو محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
تحذير أميركي
ويرى الكاتب أن الخبر الجيد في كل ما حدث هو أنَّ الرد الأميركي كان سريعاً وقاسياً. ففي حين لا توجد أرقام محددة للضحايا، أفادت بعض وسائل الإعلام الروسية أنَّ أكثر من 200 من المرتزقة الروس لقوا حتفهم.
يقول: "يعيدنا هذا إلى ماتيس وسبب رفضه تحميل مسؤولية الحادثة لروسيا مباشرةً. إذ قالت لي إيفيلين فاركاس: "أظن أنَّه قال إنَّه يشعر بالحيرة لأنَّه كان يرسل إشارةً إلى الروس مفادها: أنا مستعد لمنحكم بعض الوقت للتوقف عن ذلك، لكن لا تفعلوها ثانيةً. وإذا ما نظرت إلى طريقة استجابة الروس، ستجدهم يعون أنَّهم يلعبون بالنار".
لكن لذلك النوع من الكذب النبيل جانباً سلبياً من وجهة نظر الكاتب. فبالنظر إلى أنَّ المتعهِّدين أمثال شركة فاغنر يُمثِّلون جزءاً رئيسياً في الاستراتيجية والتكتيكات الروسية الأوسع، سيكون من المهم كذلك للولايات المتحدة أن تحرم موسكو من قدرتها على الإنكار.
ونصيحة الكاتب الأميركي أن روسيا بحاجة لأن تُبلَغ، في المستقبل، بأنَّ أي هجوم من مرتزقتها سيُتعامل معه باعتباره هجوماً من قواتها المسلحة.
Comments