إلى
تعتمد فرنسا على المفاعلات النووية لإنتاج اكثر من 70% من احتياجاتها للطاقة الكهربائية في توجه خلقه الرئيس السابق شال دو غول في خمسينيات القرن الماضي عندما بدأ العصر النووي فقرر تحويل فرنسا لقوة نووية ليس فقط بالأسلحة إنما بالتكنولوجيا كذلك, فرنسا هي اكبر بلد في العالم في انتاج الطاقة النووية وتصديرها حيث تدر عليها سنويا اكثر من 3 مليارات يورو كمبيعات خارجية.
رغم كل الدعوات الأوروبية لتحييد استعمال المفاعلات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية واستبدالها بما يسمى الطاقة المستدامة, رفضت فرنسا هذه الدعوات والضغوط رفضا قاطعا بل قررت فرنسا زيادة عديد مفاعلاتها مع بداية فترة حكم الرئيس الفرنسي الحالي ايمانويل ماكرون في وقت قررت ألمانيا إيقاف عمل مفاعلاتها النووية في زمن حكم انكيلا ميركل وبالفعل تم تفكيكها الامر الذي تبين لاحقا ان قرار الألمان كان خاطئا وقرار الفرنسيين كان صائبا لا سيما بعد اندلاع الحرب في أوروبا عام 2022 بين روسيا و أوكرانيا وقطع روسيا الكثير من إمدادات الغاز عن أوروبا ورفع الأسعار بالإضافة إلى العقوبات الأوروبية على الغاز الروسي التي جعلتهم يشتروه من السوق السوداء مرة اخرى في أغبى خطوة مرت على العقل البشري في التاريخ ومضحكة حد السخرية ومازال الأوربيين يدفعون ثمن هذا الغباء ليومنا هذا.
خطة تحييد مصادر الطاقة الأوروبية بدأتها القوى الصاعدة واسميها قوى الشرق الجديدة وهي الصين وروسيا (الهند مازال موقفها متأرجح كعادتها التاريخية حتى ضمان المنتصر ثم تقوم باتباعه) فهم يعلمون جيدا ان حلف الناتو وضع خطة لتطويق روسيا والصين بدأوها في أفغانستان ( حينها لم يكن الأمر مكشوف فعليا للجميع) ثم عندما تم احتلال العراق بذرائع ملفقة بدأت المؤامرة الانگلو - ساكسونية بالافتضاح وعندما وصل حلف الناتو لسوريا وعت الصين وروسيا انهم هم المستهدفين وليس الشعارات الخرقاء التي اطلقها الحلف وذلك لغرض تطويقهم وفورا تم وضع خطة مضادة لا تقوم على أساس المواجهة بشكل أساس أنما على أساس السيطرة على الموارد التي يسعون للسيطرة عليها وتم فعلا قطع الطريق عليهم بذكاء تاريخي وطريقة حلف الناتو هذه هي نفسها التي رجحت كفة الحلفاء ضد هتلر وإسقاطه في الحرب العالمية الثانية بعد ان تم تدمير كل مصادر الطاقة لألمانيا في داخل أوروبا نزولا حتى صحراء شمال أفريقيا بين مصر وليبيا في اخر معركة ضد هتلر في معركة العلمين.
كتب قائد القوات الألمانية في العلمين رومل ثعلب الصحراء رسالة لزوجته قبل الهجوم يقول لها " لوكان لدي خزان وقود إضافي واحد أقاتل به لدفنت الحلفاء هنا في الصحراء".
بدءا من عام 2003 تم احتلال وتدمير العراق ثم ليبيا وهما اكبر خزاني وقود في العالم لا يخضعان لسيطرة حلف الناتو ( باقي الحقول التي تقع ضمن اراضي قبائل غرب الخليج هي تابعة بشكل مباشر لحلف الناتو ولا سيادة مطلقة لزعماء تلك القبائل عليها) لعلم حلف الناتو بان الحرب القادمة ضد قوى الشرق الجديدة قادمة لا محالة واضعين بعين الاعتبار مصادر الوقود التي سيطروا عليها واسقطوا هتلر فظنوا ان السيطرة عليها الآن سيوفر لهم نصرا سريعا مستقبلا شرط عدم سقوطها بيد قوى الشرق الجديدة.
اليوم بطعم الأمس
في بداية تسعينيات القرن الماضي وبالضبط بعد انتهاء ام المعارك ( حرب الخليج الثانية او عاصفة الصحراء حسب تسمية الحلف) عام 1991 التي أخرجت القوات العراقية من الكويت بعد احتلال دام 8 اشهر, أشار احد كبار قادة الحلف آنذاك وهو أمريكي يدعى ويسلي كلارك بانه التقى كولن باول وزير الدفاع في البنتاغون بعد وقف إطلاق النار ليسمع رأيه عن كيفية أداء القوات في الحرب والنصر الذي تحقق في تلك المعركة فلم يكترث باول كثيرا ورد عليه بالحرف الواحد " ليس تماماً, لكن الحقيقة انه كان يجب علينا التخلص من صدام حسين لكن لم نفعل لكن شيئا واحد تعلمناه, هو إننا نستطيع ان نستخدم جيشنا في الشرق الاوسط والسوفييت لن يمنعونا, ثم أضاف باول ولدينا من 5 إلى 10 سنوات لإسقاط أنظمة موالية للسوفيات وبدأ بذكرها, العراق وسوريا وإيران قبل ان تظهر قوة عظمى اخرى تتحدانا "
كان حلف الناتو يسابق الزمن بدءا منذ عام 1990 لتدمير والسيطرة على اراضٍ ودول فيها أنظمة وطنية لا تركع ولا تسير في فلكهم بمساعدة قبائل غرب الخليج الغرض والهدف الأعلى كما ذكرت هو تطويق الصين و روسيا وطبعا لم ينتبه لهذا الأمر زعماء تلك القبائل لمحدودية فهمهم وثقافتهم هذا ان كان لديهم اي فهم لأي شيء فهم يسيرون وفق تعليمات تأتيهم من حلف الناتو دون نقاش لكن مخضرمي السياسة الدولية في روسيا والصين كانوا قد كشفوا الخطة فعلا وبدأوا بعمل مضاد اثبت فاعليته.
مَن يسيطر على اليورانيوم في العالم !
الانقلاب الذي حدث في النيجر مؤخرا لن يكون الأخير في سلسلة نزع السلطة من مستعمرات فرنسا القديمة بعد ساحل العاج ومالي رغم ان النيجر تعتبر اخر مستعمرة فرنسية تخرج من عباءة الاليزية في أفريقيا ولغاية الان لم يحرك الاليزية ساكنا بل اكتفى فقط بالتقهقر وترتيب إجلاء رعاياه من النيجر (كتبت هذه المقالة قبل التهديد الأخير الذي صدر اليوم لقادة الانقلاب في النيجر بإرجاع السلطة للرئيس المخلوع محمد بازوم الموالي لفرنسا).
تملك فرنسا على الأقل شركتين للتعدين في النيجر مختصة بتعدين اليورانيوم اكبرهما اورانو Orano التي تسيطر على اكبر مناجم اليورانيوم في النيجر و الإحصائيات تبين ان اكثر من 20% من واردات فرنسا من اليورانيوم تأتي من النيجر من خلال الشركتين الفرنسيتين المملوكتين للحكومة الفرنسية رغم ان الحكومة الفرنسية أصدرت بيانا غريبا أول أيام الانقلاب بانها لا تملك شركات فرنسية في النيجر وهو أمر عارٍ عن الصحة.
النيجر تحتل المرتبة السابعة عالميا في إنتاج اليورانيوم الى هنا الخبر عادي ففرنسا تستورد اكثر اليورانيوم المستخدم في مفاعلاتها داخل فرنسا من كندا لكن ما خطورة خروج النيجر من سيطرة فرنسا وبالتالي من حلف الناتو!
لو نظرنا الى خريطة الدول المنتجة لليورانيوم سنجد التالي وحسب الصورة المرفقة:
فرنسا تستورد حاجتها من اليورانيوم كالتالي:
من النيجر 20% ومن كازخستان 27% ومن اوزبكستان 19% وتستورد بكميات اقل من كندا والبرازيل كذلك واحيانا من روسيا نفسها ( قد يكون الاستيراد من روسيا قد توقف بعد اندلاع الحرب في اوكرانيا).
كازخستان وناميبيا وازبكستان والنيجر وروسيا يشكلون 76% من إنتاج اليورانيوم في العالم, وبحساب جيوسياسي بسيط سنرى ان هذه الدول جميعا تدور في فلك قوى الشرق الجديدة مثل الصين وروسيا, ليس هذا فحسب بل ان هناك معلومات استخباراتية تقول ان دول غرب أفريقيا المصدرة لليورانيوم الى فرنسا تعتزم إلغاء اتفاقيات التصدير وإيقاف تصدير اليورانيوم لفرنسا, إذن على المدى المنظور قد تكون فرنسا دخلت نفق نقص طاقة مظلم لا مخرج منه.
أيضا
واضعين بعين الاعتبار الدول النفطية الأعظم الأخرى مثل العراق وليبيا وإيران أصبحت ايضا تدور في فلك قوى الشرق الجديدة غير متناسين ان مجموعة أوبك بلص لا تسير حسب الأوامر الغربية او على الأقل لا تخضع بشكل كامل للحلف فهذه المجموعة التي تقودها روسيا وتضم العراق والجزائر و ايران وفنزويلا يعتبرون من ألد أعداء حلف الناتو مع ملاحظة الابتعاد السعودي عن الشراكة مع الغرب رغم ان هذا الابتعاد قد لا يكون كبيرا لكنه مؤثر فيما يخص الحصص الإنتاجية وبالتالي تأثيره على أسعار الطاقة.
نظرا لما تقدم أعلاه لنتخيل كيف أصبحت خريطة الطاقة فوق سطح الأرض, مَن الذي يسيطر عليها فعلا !
التوسع النووي الصيني
الصين لديها حاليا اكثر من 20 مفاعل نووي وأعطت الأوامر لزيادة عدد المفاعلات من خلال إصدار موافقات لبناء 10 مفاعلات هذه السنة 2023 و أعلنت عن رغبتها ببناء المزيد في السنوات القادمة مطلقة العنان لطموحاتها النووية ولا ننسى ان الصين تملك احد اكبر 3 أساطيل غواصات نووية في العالم الى جانب فرنسا والولايات المتحدة.
اذن الصين تحتاج ليورانيوم بكميات ضخمة ايضا واكثر من اي دولة في العالم والان اصبح اكثر من 70% من إنتاج اليورانيوم غير بعيد عن متناول يدها اي انه لن يتم منعها من الوصول لهذا المصدر الأساسي في توسعها صناعيا وعسكريا وهو الحلم بل الخطة الرئيسية التي كان حلف الناتو ينفذها منذ عام 1990 فإذا هي تتهاوى أمام بزوغ فجر قوى الشرق الجديدة تاركة حلف الناتو يواجه مصيره المحتوم.
يحاول الغرب يائسا ان يفرض موضوع التغير المناخي على انه تغير سلبي لدرجة فرض إخبار علمية ملفقة عن الاحتباس الحراري بتضخيم مهول في حين ان درجات الحرارة هذه السنة اقل بكثير من معدلها عام 2020 على سبيل المثال (اعلى معدلات الحرارة التي تسببت بحرائق غابات ضخمة مسجلة في السبعينيات في اليونان) لكن مع ذلك اطلق حملة إعلامية لإقناع العالم بان شهر تموز/يوليو المنصرم كان احر شهر مر على كوكب الأرض وهو الأمر المضحك تماما بالإضافة لأمر علمي مهم جدا وهو ان الأرض منذ مليارات السنين تزداد سخونة كشيء طبيعي وإلا اين وكيف ذاب الثلج الذي كان يغطي كل سطح كوكب الأرض قبل مئات ملايين السنين ولم يكن هناك لا صناعة ولا مصانع ولا حتى بشر يعرفون كيف يوقدون نارا للطبخ ؟
فموضوع التغير المناخي ومحاولة ربطه كليا بالتدخل البشري بدأ يفتضح أمره شيئا فشيئا فهو من ضمن خطة ضرب الصناعة في الصين والهند اي قوى الشرق الجديدة بالإضافة الى البرازيل واندونيسيا التي تأكد حلف الناتو انهم لن يكونا حليفين لهما وطبعا هي خطة فشلت فشلا ذريعا لا سيما بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا حيث ألغت دول الاتحاد الأوروبي كل خطط ما يسمى التحول نحو الطاقة المستدامة حيث ازداد الاعتماد على الوقود الأحفوري وكذلك الفحم فدخلت الأحزاب الخضر لا سيما في ألمانيا في نفق مظلم لا تدري كيف تخرج منه لتبرر لداعميها الذين صدقوهم واعطوهم أصواتهم موضوع التخلي عن البيئة الأمر الذي يبيت قنبلة انتخابية قادمة لا محالة وستكون ألمانيا في وضع لا تحسد عليه عندما يفقد الإتلاف الحاكم كل الأصوات ويجلس منافسهم الوحيد على الكرسي هذه المرة لا بأكثرية أنما باتفاق مع اليمين الألماني الذي يضم كل النازيون الجدد في ألمانيا !
تحيتي
Comentarios