الفلم يكشف الجانب المخفي للحياة في إيران وبالأخص طهران عاصمة أكبر دولة للإسلام الراديكالي الارهابي والمصنفة ضمن الدول الراعية للإرهاب في العالم. الحياة هناك تتغير على وقع متسارع نحو التشبه بالغرب مما يخلق فجوات واسعة بين الاغنياء والفقراء. ينذر الفلم بان هذه الفجوات اصبحت كأذرع الاخطبوط تستطيع الوصول لكل زاوية وحتما لها نتائج قوية لتغيير مجتمع يعتبر ديني متزمت. فهل الرسائل التي يحملها هذا الفلم قد وصلت!
استطاع المخرج الإيراني المخضرم صاحب The Salesman أن ينتزع فوزه الثاني بجائزة الأوسكار عن أفضل فيلم أجنبي، دون أن يتوج هذا الفوز الثمين بوقوف المخرج الأربعيني على المسرح وتسلم الجائزة كما حدث عام 2012 عندما فاز فيلمه Separation بالجائزة عن ذات الفئة. وتسّلم الجائزة بدلاً عنه مهندسة أميركية من أصل إيراني وعالم سابق بوكالة الأبحاث وعلوم الفضاء الأميركية (ناسا)، وذلك بعد أن تغّيب المخرج عمداً عن حضور الدورة الـ89 للمهرجان والذي أقيم في الـ26 من فبراير/ شباط 2017، لكي يسّجل موقفه الرافض لسياسات ترامب الذي أصدر قراراً بمنع رعايا 7 دول ذات أغلبية إسلامية دخول الولايات المتحدة كإجراء وقائي ضد الإرهاب، كما اتخذت بطلة العمل ذات الموقف. وجاء في الكلمة التي ألقتها المهندسة وصفق لها الحضور طويلاً "لم أحضر للمشاركة في مراسم توزيع الجائزة كلافتة احترام مني ولشعبي وكل الشعوب التي منعها من دخول الولايات المتحدة، والتي لم يحترمها قرار منع دحول المسلمين البلاد". الفيلم فاز بعد منافسة كبيرة مع عدة أفلام أجنبية أخرى منها Tony Ardman من ألمانيا، ويحكي الفيلم الإيراني قصة الزوجين رانا وعماد، اللذين كانا يعيشان حياة عادية، حولها حبهما للمسرح إلى كفاح مشترك من أجل إحياء هذا الفن في العاصمة طهران، حيث يقطنان، إلى أن أتى اليوم الذي انقلبت فيه حياتهما رأساً على عقب عندما ضرب زلزال العاصمة طهران وقرر صاحب المنزل الذي يقطنانه إبلاغهما بضرورة تركه. لتبدأ رحلة بحثهما عن مكان جديد، فتحصل لهما مصيبة لا يعرفان كيف يواجهانها حين يكتشفان أن الشقة التي انتقلا إليها كانت تسكنها قبلهما مومس. ما حدث هو أن المومس اعتادت استقبل الرجال في شقتها، قبل أن تطرد منها مع ابنها، وفي يوم بينما كانت الزوجة رانا تستحم سمعت طرقاً على الباب، ففتحت الباب دون أن تنظر للطارق وهرعت عائدة للحمام ظانة أن الطارق زوجها. عندما يعود الزوج إلى المنزل يجد آثار دماء على الدرج المؤدي للشقة، ليتضح بعده أن الزوجة تعرضت للاغتصاب، فتبدأ رحلة معاناته لمعرفة الجاني. الفيلم بسرديته حسب مقال نقدي نشر على Vulture يلقي الضوء على التغيرات الاجتماعية وميل الحياة في العاصمة طهران إلى النمط الغربي أخيراً بشكل متسارع، وحتى التغيرات العمرانية على المدينة التي بني فيها عشرات الأبراج في عام واحد فاصلة أفراد المجتمع بين فاحش الثراء ومعدم. وسبق لفرهادي أن قال عن العمل الزوجان يريدان التدرب على مسرحية The Death of a Salesman للكاتب آرثر ميلر. في هذه المسرحية يكون المنزل محاطاً بعمارات شيدت آنذاك في نيويورك حيث جرت أحداث المسرحية، بعد هدم منازل قديمة. كنت أبحث عن ديكور يبين منظر العمارات وأشغال البناء. لو اخترت شقة دون سطح كهذه، لما تمكنت من إبراز الفكرة.. هناك شعور بعدم الأمان منبثق عن المنظر الخارجي للشقة.” الزوج سيسعى بكل الوسائل للانتقام من هذا الرجل، أما المتسببة في كل هذه المشاكل، فستغيب عن الأنظار. يضيف المخرج في البداية، رأينا شخصية آهو في الفيلم. ثم تراجع حضورها مع تطور الأحداث، غير أنها بقيت الشخصية المركزية. لا نراها ولكن الحديث يدور حولها دائماً، المتفرج يصبح أكثر فضولاً لمعرفتها. لو ظهرت كثيراً في الفيلم أو سمعناها تتحدث كثيراً، لقيدنا بذلك خيال المُشاهد” من خلال قصة هذين الزوجين، أثبت أصغر فرهادي قدرته الفائقة على طرح أسئلة هامة حول مكانة المرأة في مجتمعه والدوافع الأخلاقية لتصرفات البشر.
Comments