كيف نقرأ الزيارات الى سوريا من قبل مسؤولين غربيين وحقيقة امرها !
ليس الامر بالمهمة الصعبة شرط ان نكون على علم ببتروكولات دبلوماسية وسياسية عدة منها بالإضافة الى استراتيجيات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة:
أولا, لم تكن أي زيارة من هذه الزيارات وفق موعد مسبق على الاطلاق بل تم اعلام الجانب السوري قبلها بساعات قليلة فقط.
ثانيا، لم تكن أي زيارة من هذه الزيارات وفق دعوة مقدمة من سوريا او من المدعو احمد الشرع لهؤلاء المسؤولين الغربيين، أي انها زيارات إبلاغ أوامر ومطالب غربية فحسب، لا زيارة تعارف وتودد وبناء جسور تواصل.
أيضا يجب ان نقرأ ما يجري في أوروبا وبالتحديد ما يدور في أوكرانيا والوضع الذي ستكون عليه الحرب مع قدوم رئيس يميني جديد الى البيت الأبيض المعروف بمواقفه المتطرفة ضد كل مَن لا يتفق معه وهو دونالد ترمب, وهنا أتكلم عن السياسات الأوروبية العتيقة.
حلف الناتو يريد الحصة الأكبر إن لم يكن كل الكعكة في سوريا, فالسياسة ليست جمعية خيرية انما مصالح. فالاتحاد الأوربي كذلك الولايات المتحدة انفقت الكثير وتكبدت الكثير جراء 12 سنة حرب أهلية كان يبدو فيها الفشل واضحا حتى انقلبت الأمور فجأة، لذا فلن يقبل حلف الناتو بقسمة ضيزى.
قبل الخوض في تحليل هذه الزيارات التاريخية اود ان ابين امر هام وهو ركيزة أساسية في فهم الغرب.
السياسة الامريكية تتغير تماما كل 4 سنوات بل حتى مواقف الولايات المتحدة الامريكية تجاه الاخرين خاضعة للتغيير وتستمر بأقصى حد 8 سنوات ان استمرت نفس كابينة الحكم لفترتين متتاليتين.
لكن، في أوروبا لا سيما الاتحاد الأوروبي فسياساته شبه ثابتة لا سيما المبادئ الأساسية والاستراتيجية، فهي لم تتغير منذ أكثر من قرن إن لم يكن أكثر وستظل الى فترة طويلة بل حتى عندما تخرج أوروبا عن مبادئها واستراتيجياتها هذه نرى تيارا او لوبي داخلي يقوده جهابذة من المؤرخين والفلاسفة بالإضافة الى وطنيين، ينهض فجأة ويصحح المسار كما يحدث الان منذ سنوات قليلة في أوروبا والمؤشرات تقول ان أوروبا قد تنفض الغبار الأمريكي بالكامل من على وجهها. فلا يجب ان ننسى ان مطبخ السياسة الدولية نصفين، أحدهما في قصر الاليزيه والثاني في قصر باكنغهام حصرا وليس في مكان اخر على وجه الأرض.
هذا الامر يجب ان نأخذه بعين الاعتبار دائما عندما نحلل سياسات الغرب لا سيما السياسة البينية بين أوروبا والولايات المتحدة الامريكية وتبعاتها على مجريات الأمور في بقية العالم لاسيما تجاه قضايا الشرق الاوسط.
النظرة الثاقبة!
زيارة وزير الخارجية الألمانية لسوريا بصحبة وزير الخارجية الفرنسي جان- نويل بارو اثبتت امرا جلل وهو، ان أوروبا لا تثق بهذه الشلة الجديدة على الاطلاق، فاحمد الشرع لم يمد يده لمصافحة بيربوك وزيرة خارجية المانيا الامر الذي دعى الأخيرة لانتقاد هذا التصرف بشدة وأوضحت فيه انهم (وتقصد أوروبا) يعلمون حقيقة من سقط الحكم بيده في سوريا وان على الإدارة الجديدة ان تعي ان خطة اقصاء الأسد قد تم خطها في أوروبا لا في جحور فصائل تستحرم مصافحة المرأة وتهتم بإطالة لحاياها لا عقولها.
الصغير والكبير في أوروبا يعلم كيف ينظر المتطرفين الإسلاميين إلى المرأة ومنها تحريم مصافحتها وهو ما عدته بيربوك تعدي على حقوق المرأة بقولها " أن قضية حقوق المرأة ليست مجرد قضية تخص النساء فقط، بل إن حقوق المرأة هي مؤشر على مدى حرية المجتمع" ولنراقب جيدا كلمة حرية المجتمع وما يقصده الغرب في هذه العبارة الغير جديدة!
هذه رسالة غليظة لحكام سوريا الجديد بانكم موضع ريبة لدينا ومَن يرتاب منه الغرب لن يثق به أحد فوق سطح الأرض، فهي تشير ضمنا الى ان على الإدارة الجديدة في سوريا ان تعي بإن حتى اعدائنا من الصين والروس سيؤيدوننا في هذا، لأنهم اعدائكم، فمن بقي لديكم؟
أعلنت بيربوك بعد لقائها المدعو احمد الشرع بان ألمانيا لن تقدم أي مساعدات لهياكل إسلامية وهذه رسالة أخرى بل صفعة مدوية، لم تصدر قبل زيارتها بل بعد ان حطت في سوريا ولنفكر لماذا!
أولا لماذا صفعة، فكثير من الابواق الإعلامية لا سيما ابواق قبائل غرب الخليج نشرت اخبار لا أساس لها من الصحة أي تم اختلاقها في كواليس غرف الاخبار بان المانيا وبعض الدول بدأت بتخصيص مساعدات مالية للإدارة السورية الجديدة وتصوير وتهويل الزيارات على انها دعم غربي غير محدود ولا مشروط للادارة السورية الجديدة, فكان تصريح وزيرة خارجية المانيا بيربوك التي تمثل الاتحاد الأوروبي في هذه الزيارة، صفعة لهذه الأكاذيب.
يبقى ان نعلم لماذا لم تصدر هذه الرسائل مسبقا أي قبل الزيارة، لأنها ببساطة كانت رسالة في الجيب، فان اطاع سي احمد، ظلت في الجيب وإلا... أُخرجتْ الرسالة رسميا على الملأ وهذا ما حدث.
فأوروبا ليس لديها مال فائض تنفقه على جماعات إسلامية مسلحة لا سيما في هذا الوقت والوقت القادم دون عوائد عالية، فالوضع في أوروبا متفجر جدا ولن يتحمل الشارع الأوروبي أي مجازفات إضافية فحرب أوكرانيا مازالت مستعرة والأوروبيين بدأوا يلامسون حدود التحمل القصوى Threshold
الاتحاد الأوروبي وحتى الولايات المتحدة الامريكية مرتابة من موضوع تعيينات لإرهابيين وقتلة في مناصب عليا في الادارة والاغداق عليهم برتب عسكرية لم يكونوا يحلموا بها وهو امر جدا خطير وله ابعاد ليست بالمحمودة، فهؤلاء لم يتم تعيينهم كي ينحوهم يوما إذا ما جرت انتخابات ديمقراطية حرة تستوجب تعيين ذوي الكفاءات لا الولاءات والمحاصصات في تشكيل حكومة سورية مدنية حقيقة تراعي كل مكونات سوريا.
الغرب يعلم جيدا مَن هؤلاء واقصد ولاءاتهم فالولاء طبع والطبع يغلب التطبع ولن تنطلي الشعارات والكلام المنمق وفديوات التيك توك الرخيصة على الغرب فالواقع يقول غير ذلك وهذا ما ينظر اليه الغرب ويأخذه في الحسبان، بالإضافة الى امر مهم وهو ان هؤلاء بلا أدنى خبرة سوى خبرة القتل والتدمير ونفي كل مَن يعارضهم فكرا او عقيدة او حتى أصل، فكيف سيبنون بلد وهم أصلا لا يؤمنون بالمشاركة والرأي الاخر حسب المعتقدات الدينية والطائفية، هذا تهريج.
قسم كبير من هؤلاء في الإدارة الجديدة هو خريج إما كليات تركية او معسكرات تجنيد تركية ويجمعهم جميعا الدعم التركي.
رسالة أوروبا.
كل تصريحات المسؤولين الغربيين سواء الذين زاروا سوريا او لم يزوروها تثبت بما لا يقبل التأويل ان الفصائل التي تسيطر على سوريا سوف لن تكون سوى عدو جديد وقد نوه ضمنا وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية بلنكن لهذا، حيث حذر من ان العملية في سوريا لا يجب ان تكون استبدال دكتاتور بدكتاتور، أي انهم بدأوا يستشفون امرا كهذا في الأفق، فالدبلوماسية هي ان تبرز ما تشعر به سواء تخوف او تفاؤل بطريقة ذكية وبرسائل خفية - علنية.
من جانبه قال وزير الخارجية الفرنسي جان – نويل بارو بان على الإدارة الجديدة وضع حل سياسي مع الاكراد الذين يسيطرون على مساحات كبيرة من شمال شرق سوريا.
هنا يجب ان نعي ان الحل السياسي لا ولن يروق لأردوغان فهو يصف الاكراد لا سيما قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بالإرهابيين ويريد القضاء عليهم عن طريق دعم وتمويل الإدارة الجديدة التي هي فصائل مسلحة وليست فصائل سياسية، بل هو مستعد لإرسال قوات عسكرية تركية لهناك بحجة ضمان امن تركيا.
إسرائيل هي الوحيدة التي تعمل على الأرض منذ اليوم الأول بل الساعات الأول لهروب بشار الأسد من دمشق نحو روسيا.
فقد دمرت كل المطارات العسكرية والأسلحة والاعتدة والطائرات وكل ما من شأنه تهديد امنها لأنها تعلم ان القادمين الجدد العن من بشار الأسد عليها (إن كان بشار الأسد أصلا لعنة فعلا على إسرائيل) فبشار الاسد كان دائما يحتفظ بحق الرد على إسرائيل بعد كل هجوم ضده، لكن الإرهابيين هؤلاء سياستهم مختلفة، فان سقط بيدهم أي سلاح يصل مداه لإسرائيل فسيستخدمونه حتما.
كذلك سيطرت إسرائيل على موارد مائية مهمة جدا مثل سد المنيطرة القريب من الجولان وهو سد مهم جدا ويعتبر حديث نسبيا حيث دخل الى الخدمة في عام 2010 وساعد في تعزيز الزراعة في مناطق شاسعة من سوريا.
نشرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس على حسابها بمنصة اكس يوم الجمعة "اليوم بارو وبيربوك في دمشق، ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وبالنيابة عني".
واضافت "رسالتنا إلى القيادة الجديدة في سوريا: احترام المبادئ المتفق عليها مع الجهات الإقليمية وضمان حماية جميع المدنيين والأقليات أمر في غاية الأهمية".
فهل مَن يعتقد انه المبعوث فينا وان الله معه وناصره، سيطبق الشريعة الإسلامية ام الغربية؟
قد لن يكون المدعو احمد الشرع سوى افتتاحية لصفحة جديدة في سوريا وهي الجزء الثاني قبل العراق وغدا سوف يُنسى, فلاجيب ان ننسى مبدأ "الثورة تأكل ابناؤها" وبكل تاكيد إسرائيل ليست متفرجا ولا خريطة اللعنة التي رفعها رئيس الوزراء الاسرائيلي نيتنياهو في الجمعية العامة للامم المتحدة كانت مجرد دعاية تيك توك!
تحيتي
Comments