لم تبقى جهة رسمية دولية إلا وانصدمت بما يحدث في سوريا واقصد الهجوم على حل، وأعربت الدول العظمى عن تفاجئها بهذا الهجوم، لكن الإدارة الامريكية رغم انها صرحت بان لا علاقة لها بالهجوم ولم تؤيده لكنها بينت انها لم تتفاجأ بالهجوم، فماذا تقصد!
الحكومة السورية لم تتهم الولايات المتحدة بدعم الهجوم وهذا امر مهم رغم انها لم تتهم أيضا أي دولة أخرى لكنها اكتفت بالقول انها ستدافع عن سوريا ممن وصفتهم بالإرهابيين وهم بلا شك كذلك.
الولايات المتحدة لا تتوانى عن تأييد أي فصيل وإن كان إرهابي او من المرتزقة إن كان يصب في مصلحتها او هي من مولته ودفعته، لكنها تبرأت تماما مما يحدث منذ الساعات الاول.
إسرائيل اخر المستفيدين بل قد تتضرر من أي انهيار لنظام الأسد فعائلة الأسد لم تضر إسرائيل يوما ولم تدعوا لإسقاط نظام الأسد حقيقة رغم ان إسرائيل صرحت وعلنا على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو اثناء خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة وحديثه عن خارطة النعمة وخارطة اللعنة أشار بوضوح الى ان سوريا من ضمن خارطة اللعنة أي ستكون حتما هدفا لإسرائيل، لكن ليس بالضرورة هدفا عسكريا او بواسطة تأليب مجاميع إرهابية تعمل بهذا الشكل فالحقيقة ان إسرائيل لم تتعامل يوما مع ميلشيات او مرتزقة ابدا بل ليس هذا من سياستها فهي تضرب بيدها مباشرة والتاريخ يشهد, وهذا ليس مدحا بإسرائيل بل وصف وتحليل مهني بعيد عن العواطف والانتماءات المجتمعية والوراثية.
اذن لا تحتاج إسرائيل لتلعب بالخفاء فهي من قضت على حماس وحزب الله في آن واحد بل وبسهولة متناهية لم يكلفها حتى ألف جندي لحد الان رغم مرور 13 شهرا على الحرب في غزة بينما يموت حوالي 350 إسرائيلي سنويا في حوادث مرور وفي نفس الوقت دمرت جزءا كبيرا من قدرات إيران الصاروخية بل والنووية في الغارة الأخيرة التي فعلا تبين انها شلت قدرات الإيرانية بشكل نهائي وقد افردت مقالة لها من قبل على هذا الرابط.
روسيا ليس من سياستها هذا الفعل فهي دولة معروف عنها منذ تأسيسها قبل أكثر من قرن انها لا تتعامل مع العصابات ولا المليشيات بل فقط مع الحكومات الرسمية حصرا مهما كانت سياسة هذه الحكومة وخير دليل هي عدم تأييدها للحوثي في اليمن وبالفعل تدعم حكومة اليمن رسميا.
فور بدء هجوم (الجماعات المسلحة) هذه على حلب بدأ بشار الأسد اتصالات مع زعماء قبائل غرب الخليج كذلك مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني. الأسد طلب المساعدة من قبائل الخليج هذه ان هُم فعلا أرادوا سوريا عربية واعتقد انهم لن يتوانوا في مساعدته، وبالفعل أعلنوا هذا رسميا وفي نفس الوقت ولغاية الان لم يتوانى نظام الملالي في طهران من إطلاق تصريحات تكشف تماما انهم يريدون التدخل أكثر وادامة ما بقي من ميليشياتهم داخل سوريا وكأنهم في عرس لا في حرب.
التغيير
منذ قرابة العام بدأت سوريا بتغيير سياستها تجاه عدة أحزاب وفصائل موالية لها وقاتلت على ارض سوريا لكنها ذات تبعية إيرانية قلبا وقالبا ألا وهي ماعش (المليشيات الإيرانية في العراق والشام)، فغيرت سوريا موقفها وسياستها تجاه هذه الفصائل وذلك استجابة لأمرين:
الأول: الضغط الروسي وهو سياسة صريحة قامت بعد بداية الحرب الاهلية في سوريا عام 2011 بان على جميع المليشيات الخروج من سوريا دون استثناء بل ان روسيا أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لضرب ماعش كيفما شاءت وبالفعل قصمت إسرائيل ظهر هذه المليشيات وقتلت عشرات الضباط الايرانيين في سوريا ومازالت إسرائيل تقصف هذه المليشيات بكل سهولة تحت انظار روسيا ولم تحرك الحكومة السورية ساكنة ضد هذا الامر.
الثاني: رغبة سوريا في العودة للصف العربي وهي تعلم انها لا تستطيع العودة وهي تلتحف بنظام الملالي في إيران، وبالفعل قامت سوريا بخطوات ملموسة في هذا المجال والعرب من جانبهم لا سيما قبائل غرب الخليج بقيادة السعودية دعمت عودة سوريا للحظن العربي وتم استضافة بشار الأسد بالأحضان في القمة العربية والقمم التالية دون استثناء بل تم فتح السفارات وإعادة حركة الطيران وباقي الأمور الى سابق عهدها.
سوريا بدأت تعي الامر أكثر وتسابق الزمن لتخرج من الصف الإيراني على اعتبار ان مرحلة الخطر انتهت وبالفعل فتح العرب لها الأبواب مرة ثانية على مصراعيها دون قيد او شرط وبالمقابل اتخذت الحكومة السورية فعلا خطوات ملموسة للعودة للصف العربي ومنها بل الأهم التخلص من ماعش.
قام بشار الأسد بالتضييق على هذه المليشيات بل بدأ باعتقال ومطاردة مناصريهم وطرد بعض القيادات بل حتى ان بعض التسريبات وصلت لمستوى ان السوريين كشفوا علنا احداثيات لاماكن تواجد بعض قادة وعناصر حزب الله في سوريا فاغتالتهم إسرائيل رغم ان هذا الامر غير مؤكد تماما.
سوريا تعي ان إيران نعجة نافقة لا محال وان خارطة النعمة وهي مشاريع عملاقة واعدة ستنفذ مهما كلف الامر وقد يفوتها الكثير ان هي لم تصطف مع أصحاب الخارطة او مؤيديها من قبائل غرب الخليج وإلا سيحدث لها كما حدث مع النظام العراقي السابق عندما لم يقرأ تغيرات المشهد العالمي والإقليمي فراح ضحية عدم مواكبة التغيير.
النظام الإيراني فهم الامر جيدا لكن ...
اعتبر نظام الملالي هذا التغيير من قبل بشار الاسد خيانة لهم وإجحاف بحقهم بعد ان قدمت الكثير لسوريا متناسيا ان ما قدمه هو مصلحة ذاتية وليس مصير مشترك وقبض نظام الملالي الثمن لسنين طويلة والان عليه ان يعي ان سوريا عربية وليست أعجمية وليست ضيعة إيرانية وهذه حقيقة من الواضح ان نظام الملالي اعتقد انه قد غيرها والى الابد اعماه الانتصار الموقت الذي حققه في العراق واليمن وسوريا ولبنان وهو نصر مُعد مُسبقاً من قبل حلف الناتو حصرا.
سأعرج على امر غريب جدا ظهر مع الدقائق الأولى لانتشار اخبار الهجوم على حلب وهو ان جميع القنوات الإعلامية العالمية والعربية على اختلافها (كلها تنشر حسب تعليمات حلف الناتو حصرا) استخدمت عبارة "جماعات مسلحة" ولم تسمي او تشير الى مَن الذي قام بالهجوم على حلب رغم ان جميع المليشيات على الأراضي السورية لها أسماء رسمية ومعروفة، فلما لن تشر هذه القنوات الى هوية هذه "الجماعات" او اسمها بصراحة، هل فعلا هي مجهولة وهجومها مفاجئ!
إيران ومنذ عام 2005 تحاول ان تعرقل امتداد الصراع والتغيير في المنطقة او كما تسميه دفع العدو الى ما وراء الحدود الايرانية بأي طريقة أي ان نظام الملالي يحاول تأجيل عملية اسقاطه لأبعد ما يكون بل يحاول ان يبين دائما انه أفضل الحلول للمنطقة بالتعاون مع الغرب لا سيما الولايات المتحدة وإسرائيل. لذلك ساهم بشكل فعال في خلق اعقد صراع يشهده العالم في هذه المنطقة لا سيما في سوريا منذ 2011 وليس في مصلحة إيران ان يعود السلام في سوريا على الاطلاق. لذا نرى ان هناك من يحارب ماعش ويدعي انه سوري وطني لكن الدعم وكل الدعم جاءه من الخارج إما من إيران او تركيا حصرا كذلك ماعش تتلقى كل الدعم من نظام طهران.
خروج سوريا من عباءة النظام الايراني يعني ان اسرائيل والولايات المتحدة اصبحت على الحدود الإيرانية بعد ان تم تدمير حزب الله في لبنان، فالعراق ليس دولة فإيران بغبائها المعروف تاريخيا خلقت حكومة دمى من لصوص تابعين وموالين لها طائفيا ونسيت ان هكذا حكومة هشة ولن تصمد دقيقة واحدة لا امام امريكا ولا غيرها.
لكن نظام الملالي وعى هذا متأخرا وها هو يرى ان سوريا تخرج من عباءته وعندها سيكون عليه مواجهة العالم كله وليس الولايات المتحدة وإسرائيل فقط بمفرده على الحدود ان لم يكن داخل إيران اخذين بنظر الاعتبار ان حزب الله فعليا انتهى امره في لبنان بعد ان دمرته إسرائيل بلا رحمة ثم فرضت عليه تطبيق قرار مجلس الامن 1701 وهو قرار ملزم لا حياد عنه وإلا سوف تنهي إسرائيل لبنان بكل من عليها بل وبدعم دولي هذه المرة، هنا رأى نظام الملالي كذلك العالم ان حزب الله فقد سلاحه كذلك فقد الأرضية أي اصبح ماضي, إذن على نظام الملالي تفعيل البديل من خلال تقوية ماعش في سوريا لإدامة الزخم كما يسمى في العرف العسكري وهذا هو اخر الحلول فكما ذكرت ان نظام الملالي موقن ان مَن في العراق لا يقوون على الدفاع عن إيران ولا حتى لدقيقة واحدة.
المستقبل القريب
يبقى ان نفهم ما المستقبل في سوريا، لا سيما خلال السنتين او الخمس سنوات القادمة. فهل هذه الحرب الدائرة منذ 2011 ستسهم في إبقاء نظام بشار الأسد في الحكم بغض النظر ان ساعدته قبائل غرب الخليج او روسيا!
انه نظام يترنح فعليا لعدة أسباب معروفة منها الاقتصادية والقاعدة الشعبية وعدم وجود جيش بمعنى الجيش ليحمي الدولة فهكذا هجوم لم يستبقه الجيش السوري ولا الروسي وهم على بعد أمتار من هذه الجماعات المسلحة هو فشل صريح وقاتل يكشف فضيحة مفادها ان النظام السوري لا يعلم ماذا يوجد تحت كرسيه حتى ام انها فعلا خيانة من جانب إيران ستستغلها روسيا وقبائل غرب الخليج!
سوريا أصبحت فعليا على حافة الهاوية أكثر من قبل، لكن قد يكون ان الحل تحوّل من يد الروس والإيرانيين الى يد حلف الناتو بفعل الغباء الإيراني المعهود!
هل علمنا مَن يقف ويدعم هذه الهجمات والوحيد الذي لديه قدرة على تجهيز وشن هجوم فوري على أي مدينة داخل سوريا!
تحيتي
Comments