بسهولة متناهية يجب ان نعرف كيف يتم مزج قواعد اقتصادية مع اجندات خفية لخلق سوق موازي مشرعن او كما يسمى قانوني.
لإغراء الزبائن لشراء بضاعة او منتج معين يجب ان لا يحيد عن هذه الضوابط وإلا لن يشتريه أحد:
1. مُنتج هذه البضاعة او مصدرها يجب ان يكون معروف او مشهور حتى لو كان مبتدأ لكنه يغدق بسخاء على الدعاية الذكية واستغلال أسماء قيادية لتسويق منتجه بتغطية إعلامية ضخمة.
2. يتمتع بشرعية قانونية او لنقل لديه وزن قانوني لا يمكن الشك فيه ومسلح بجيش محامين متخصصين.
3. منتج او بضاعة ذات سعر معقول وعائد مغري وان كان بين السطور العائد غير مضمون لكن يتم تمويه هذا عن طريق سرعة العائد المغري وهذه نقطة جدا مهمة يجب الانتباه لها.
سيكولوجية المبيعات تعتمد بشكل أساس بل يكاد يكون الأوحد على العاطفة، فالناس تشتري بالثقة أي تختلق علاقة عاطفية مع المنتج هذا او البضاعة وغالبا ما تكون هذه العلاقة سريعة فان لم تكن سريعة يقوم مسوق هذه البضاعة بتسريع الامر بعدة طرق إعلانية او دعائية لجعل المشاهدين يشترون او بالأحرى اعمائهم عن العيوب وجعلهم يقررون الشراء.
الموضوع السيكولوجي في المبيعات امر في غاية الخطورة والاهمية واعتبره هو لب العملية كلها, فبعد خبرة طويلة جدا لي في هذا المجال أي المبيعات وهندسة الأسواق لما يزيد عن 20 سنة وكلما خلدت لنفسي كي اصل لسر المبيعات اجده هو علاقة عاطفية بحتة يجب خلقها بين المنتج والزبون بغض النظر عن ان المنتج جيد او سيء وخير مثال, ان هناك مشترين يصطفون لشراء سيارة رولز رويس وفي نفس الوقت هناك مشترون يدفعون لشراء تويوتا وقد ينتظرون أحيانا لطراز جديد لها والفرق بين السيارتين اكثر من 300 الف دولار وفي بعض الحالات اكثر من نصف مليون دولار.
رب قائلا يقول " الثري سيشتري رولز رويس لكن ليس متوسط الدخل فانه شيء منطقي " هنا أقول نعم، هذا نوع من العاطفة أي اقناع الثري بانه يجب ان يذهب لعمله برولز رويس وليس بتويوتا او حتى مرسيدس والاثنين يصلان الى المكتب بنفس السرعة للعلم وبنفس الأمان لكن الاختلاف هو كيفية اقناعك بأحدهما فالمتوسط الدخل لديه خيارات أيضا بين تويوتا وكيا والسيارات الصينية ايضا.
هذا موضوع ضخم وكُتبَتْ عنه الاف الأبحاث والدراسات لعقود طويلة خضت تجربة المئات منها واشتركت في تجارب دولية حتى من مؤسسات تسويقية وشركات ومعاهد دولية اكدت جميعها ان العاطفة تلعب الدور الأساس فلن تجد زبونا يشتري بضاعة لا يحبها وان كان يستطيع شراؤها بسهولة أي ان له القدرة المادية على شرائها.
هنا سآتي على موضوع البورصات العالمية أي سوق الأسهم الذي درسته في بداية حياتي المهنية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي وعملت لبعض الوقت كمضارب وكان يسمى Broker اما الان فان هذه التسمية اختلفت بعد افتضاح الامر في بداية الالفية وتم استبدال الكلمة بـ مستثمر (لاحظ استخدام العاطفة هنا) وطبعا المضارب ابعد ما يكون عن الاستثمار ولعلكم سمعتم طبعا بهذه المصطلحات لاسيما من على قنوات اقتصادية عالمية ولن تسمع انهم يستضيفون مضارب بل إما مستثمر او محلل في سوق الأسهم ويكون موظف تابع لشركة, اطمأنوا انه فقط مضارب ليس اكثر فانا اعرفهم جيدا لاسيما من المصطلحات التي يستخدمونها هم فقط.
نعم لا يوجد شيء اسمه مستثمرين على الاطلاق فالبنوك لاسيما القائدة Leading Banks وهي معدودة على عدد الأصابع لا تستثمر في البورصات ولا في الأسهم انما تضارب بها فقط بواسطة ما تسميه "محافظ إستثمارية" فهي أي الأسهم مثل بخار الماء لا ثبات له وان اردت تعريفه فهو ماء وقد يكون بخار بلا وزن محسوس إذا ما تعرض لظرف خارجي وقد يتحول الى جماد, اليس كذلك!
لذا نرى ان رغم تأكيد هذه البنوك لعملائها ان الاستثمار في ذلك السهم او الشركة مضمون الى ابعد الحدود نرى دائما انه يحدث العكس فلو كان فعلا هذا السهم يربح دائما لما طورت صناعة او تجارة او داخ احد على وظيفة على الاطلاق لان الجميع سيذهب الى سوق الأسهم.
سأذكر هنا كيف تم إحالة كبار رؤساء البنوك الامريكية على التحقيق (اتضح فيما بعد انه صوري فقط) امام لجنة من الكونغرس بعد الازمة المالية العالمية عام 2008 وبتوجيه سؤال مباشر لرئيس غولدن ساكس حينها فدار الحديث التالي:
عضو لجنة الكونغرس: كيف قدرتم لعملائكم بان المحفظة الفلانية مضمونة وها هم العملاء يخسرون واغلبهم خسروا كل شيء بل انهارت البورصة تماما؟
مدير بنك غولدمن ساكس: نحن استندنا الى أفضل ما نعلم.
هنا سأتوقف عند هذه الكلمة التي تم تلقينها له من قبل جيش محاميين مخضرمين طبعا يعلمون ثغرات القانون لا سيما هذه الكلمة " افضل ما نعلم" وبالضبط قالها To the best of our knowledge وبمعنى اصح أي لاحول ولا قوة لنا.
نعم نفذوا من السجن بهذه الكلمات ولم يتم معاقبة أحد إلا بغرامات مضحكة قياسا بالأرباح التي جنوها جراء انهيار الأسهم وطبعا لم يتم محاسبتهم كيف ربحتم من كارثة اقتصادية كادت تودي بالاقتصاد العالمي الى الصفر لكن فقط البنوك القيادية ربحت ولم تخسر أي شيء بل على العكس ربحت بشكل تاريخي وقامت باستحواذات على بنوك صغيرة كي تكتمل سيطرتها على أسواق لم تكن لتصلها قبل الازمة.
الا يثبت هذا ان لا ضمان في الأسهم على الاطلاق!
لكن هل ابتعدت الناس عن الاستثمار وبصراحة اسميه الاستحمار في الأسهم هذه!
تسمين خروف العيد
تضخم الشركات اسهمها لا سيما في الولايات المتحدة بطريقة واحدة فقط لا غير، وهي الاعلام فهذه البنوك تعلم علم اليقين ان الناس أسيري إعلام وسيصدقون أي شيء ويلقون بشكوكهم عن الاعلام في المزبلة إن هم رأوا مدير بنك راقي او محلل مشهور (يتم أعداده لفترة طويلة) يتكلم بإيجابية عن السهم الفلاني او مجموعة اسهم وشركات معينة يراد تضخيم قيمتها بالإضافة الى المقالات والتحليلات الصحفية المكتوبة والمنشورة على الانترنيت والتي تطارد الجميع أينما ذهبوا ليل نهار.
هنا تبدأ مرحلة العاطفة وأول طريقة لذلك هي أيضا السيكولوجية عن طريق ترديد وتكرار كلمات وجمل معينة على مدار الساعة ولأيام ولشهور عدة وهذه الطريقة كفيلة بان تجلب عدد لا بأس به بل كبير الى مصيدة الأسهم او حتى أي منتج او بضاعة.
القوانين الخاصة بضبط هذه الأسهم كلها مبهمة وتسير في المنطقة الرمادية Grey zone لتؤدي غرض واحد وهي حماية عملية شفط الاموال الضخمة المطبوعة Fiat Money التي يطبعها الفدرالي كل شهر دون وازع (الاحتياطي الفدرالي لا يخضع لمراقبة الدولة ولا لقوانين حكومية واضحة ولا يجوز حتى لرئيس الولايات المتحدة التدخل بشؤونه ولا حتى زيارته او لقاء أي عضو فيه عدا مفارقة واحدة حدثت عندما استقبل بايدن رئيس الاحتياطي الفدرالي عام 2022).
القوانين التي تحكم عملية المضاربة شائكة بطريقة متعمدة كي يصعب فك وثاقها او لفها حول رقبة أحدهم وإن التفت فعلا فبسهولة إخراجه منها بل ان غالبية مدراء البنوك انفسهم لا يعرفون هذه القوانين جيدا فكما قلت هي معقدة لدرجة كبيرة لكن ليس مستغربا انها دائما تحمي تلك البنوك ومدراءها إلا إذا لعب ضد هذه البنوك فعندها ستطبق عليه كل العقوبات بلا رحمة.
التقلبات الغير منطقية للأسهم ترينا كيف ان اسهم شركات معينة تهبط بشدة رغم اداؤها القوي او نتائجها المشجعة والربحية ونموها كذلك نرى صعود اسهم شركات دون أي سبب له علاقة بموقع الشركة او منتجاتها أيضا، فعلى سبيل المثال نرى ان سهماً معين يهبط في ظروف معينة لكنه بعد فترة يرتفع رغم حدوث نفس الظروف بالضبط، هذا ليس له علاقة بموضوع انه الزمن اختلف لأني أتكلم عن نفس الظروف تماما بل كثير من الأحيان في وقت قصير كأن يكون في نفس السنة او حتى في نفس الفصل.
الظرف نفسه أي من الالف الى الياء فكيف اختلف السعر إذن إذا كان الميزان الاقتصادي نفسه !
السر يكمن في عملية المضاربات خلف الكواليس (رغم انهم يدعون انها شفافة وقد اثبتت الفضائح عكس ذلك) بين محافظ استثمارية ضخمة بمئات الملايين من الدولارات تقوم بها البنوك ليس لهذه الاستثمارات او الخطط علاقة بقيمة او قوة الشركة وسهمها انما هي فقط مضاربات لا اكثر وهذا ما يفسر صعود اسهم وهبوطها عكس حقيقة الظرف الاقتصاد حينها او منتجها وبالتأكيد لاحظ الكثير منا هذا لا سيما صغار المضاربين عندما يراهنون على سهم كأن يشترون اسهم شركة عتيدة وضخمة اطلقت منتج معين مطلوب جدا في الاسوق وكل البيانات الاقتصادية للشركة مشجعة وقوية ورصينة ثم إذا بالسهم ينهار او في افضل الأحوال لا يرتفع مخالفا كل قواعد السوق الاقتصادية عندها يجب ان نعلم ان الامر ليس له علاقة بالقواعد الاقتصادية المعروفة او التي تدرس في الجامعات واسميها القواعد الكلاسيكية انما لها علاقة وطيدة مع ما يجري خلف الكواليس داخل أروقة البنوك والتي تسمى غرف التداول بل ان الدخول اليها محرم تماما إلا على بعض وأكرر بعض ذوي الشأن من داخل هذه الكواليس وقد رأيت هذا بنفسي, فعندما يدخل احد البنوك بمحفظة استثمارية مليونية أي بمئات الملايين من الدولارات لشراء سهم او مجموعة اسهم (او حتى سلعة مثل النفط او الذهب الخ) لشركة رخيصة او حتى مرتفع نوعا ما في قطاع معين ولنقل قطاع تكنولوجي رغم انها لا تبلي بلاء حسنا او حتى ان لاوجود لاي خبر إيجابي من الشركة حول منتج جديد او ما الى ذلك فسيرتفع السهم حتما بسبب الطلب المفتعل من قبل هذه المحافظ ثم يتبع صغار المضاربين هذا المسار وفي نفس الوقت تحضر هذه البنوك او هذه المحفظة ضربة لسهم أخر هي كانت قد اقتنته في وقت لاحق وربحت منه بنفس الطريقة فتقوم بعمليات بيع مكثفة عليه فتربح هي من خسارة هذا السهم لأنها اشترته باقل من سعره الان ويرتفع سهم الشركة التي قامت بالمضاربة فيه وهكذا دواليك فترفع قيمة هذا وتضرب قيمة ذاك في ساعات قليلة جدا بدون اي علاقة لقوة او قيمة حقيقية للشركة وسهمها بلا ليس له علاقة بتقارير ربحيتها او عملها وقد شهدنا هذا مئات المرات وعلى مدى عقود بل دائما كما ذكرت واذكر مثال حدث قبل تقريبا شهر عندما هوت اسهم شركات التكنولوجيا جميعها تقريبا لا سيما سهم شركة انفيديا الامريكية رائدة صناعة الرقائق الالكترونية وهي المادة المطلوبة بشكل ضخم بل ان الشركة بالكاد توفي بتجهيز الطلبات لكن أسهمها انهار لدرجة ان اكثر من 100 مليار دولار تبخرت في غضون ساعات فهل هذا من المنطق الاقتصادي الكلاسيكي في شيء ؟
كلا والف كلا انما هو يندرج في منطق القمار والقمار فحسب فهذه مضاربات متفق عليها مسبقا بغاية السرية لا تجارة ولا استثمار إنما مقامرة حصرا وقد اعترف وارن بفت الملياردير الأمريكي بهذا وبالنص قال واصفا البورصة "لقد أصبحت قمار" نعم انها قمار فحسب وهنا لا اقصد من نقد هذا الامر من منظور ديني انما من منظور أخلاق تجارية في سوق يعتقد الأغلبية انها سوق شريفة ومضمونة نوعا ما لا يدرون حقيقة ان اللهاث وراء الربح والاثراء السريع هو ركض نحو الفقر منه للغنى بل واضمن للفشل منه للنجاح.
هذه العملية ليست بجديدة انما متبعة منذ بدايات عصر البورصة في عشرينيات القرن الماضي على اختلاف طرق المقامرة والتلاعب فصارت تضرب الناس في أموالهم تقريبا كل عقد أي 10 سنوات فتشفط أموال يجب شفطها بعملية المداولة او المداورة، يطبعون ويغدقون عليهم ثم يقومون بسحبها بأسرع مما تم منحه.
إذن، أسعار الأسهم جميعها دون استثناء هي ليست حقيقة بل هي مضخمة تسمى over valued ولا أحد يعلم حقيقة قيمتها حتى تقع الفأس بالرأس.
تحيتي
Comments