مقالـة
كي تُغير عقيدة ما لا سيما تركة دينية راسخة رسوخ قوي في ضمير جيل استمرت لحقبة طويلة او لأجيال طويلة فعليك ان تبدأ بتغييرها فورا كي تثمر بعد جيلٍ كامل ويقدر علماء الاجتماع على اختلافهم مدة الجيل ما بين 30 الى 40 عاماً.
جاء الخميني عام 1979 بطائرة فرنسية يتزعم ثورة الكاسيت كما سميت حينها حيث كانت خطبه الرنانة تذهب الى إيران من منفاه في فرنسا وقت الشاه عن طريق الكاسيت كي يتناقلها الشباب العاطلين عن العمل والذين يقصدون مقداراً أكبر من الحرية كما تخيلوها آنذاك. فبدأ حراك الشارع ضد الشاه وحكومته التي لم تصمد في النهاية رغم طول التظاهرات واعمال العنف المصاحبة والسجن الذي كان ينتظر الكثير من المعتقلين فسقط حكمه وفرَ الى مصر ومات بعد سنة من سقوط حكمه.
كان الوضع الدولي الجديد في المنطقة عام 1979 ينبأ بشرق أوسط جديد حينها وهو بروز العراق كقوة عربية إقليمية بعد أُفول نجم مصر إثر توقيعها معاهدة سلام مع إسرائيل, برز العراق مدعوما بوصول البعثيين الى الحكم وهم قوميين ووطنيين سيطروا بدعم إقليمي ودولي على بلد فيه ثروات لا تقدر بثمن ومع انفجار أسعار النفط عام 1973 واستمرار صعودها جعل العراق أكبر خطر على إسرائيل بل هو الخطر الوحيد الجدي والذي قد يقود الامة ضد إسرائيل البلد الصغير الضعيف الذي يعيش بين اضلعه أيضا فلسطينيين ناقمين على إسرائيل أي ان إسرائيل ستنتهي بلمح البصر إن لم يتم خلق شرق أوسط جديد, فقد اتضح لإسرائيل ان مصر صارت منبوذة من الجميع أي ان الأعداء لم يموتوا بموت مصر بعد توقيع الاتفاقية عام 1979 بل ظهر عدو اقوى من مصر وهو العراق فتم خلق نظام الخميني المستمر لحد هذه اللحظة منذ أربعون عاماً يصدر الثورات بل الإرهاب الى دول إسلامية فقط ولم يمس إسرائيل برصاصة واحدة مقابل ملايين الخطب والشعارات ضدها بل اصدر فتاوى اهدار دم حتى بحق كُتاب احرار وفتاوى قتل ضد السُنة وضد من يعاديهم لكن لم تصدر أي فتوى ضد إسرائيل اطلاقاً. نظام سمى أمريكا بالشيطان الأكبر وفرنسا بالشيطان الأكبر وهما أكبر داعمين لنظام الملالي في طهران لا بل فرنسا هي من ترعرع في ربوعها و أكل من جبنها وشرب من نبيذها وجاء بطائرتها المجانية الى مطار طهران الدولي.
نظام الخميني سار على نهج الشاه ولم يغير إلا درجة تشدد وعنصرية عباءته الدينية فسياسة العداء الفارسي للعرب استمرت بل يدرك الخمينيون ان أي تقارب مع العرب سيكون فيها نهايتهم فالشاه موالي للغرب وعميلهم لعقود طويلة أطاح به الغرب بعد ان بدأ بالتقرب من العرب رغم علاقته الدبلوماسية مع إسرائيل لكن الغرب خشي وخشيته كانت صحيحة بان أي توافق بين الشاه والعرب خصوصا العراق (اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران عام 1975) سيشكل خط توافق قوي قد لا تحمد عقباه على إسرائيل وعلى أوروبا التي بات الشاه يكرهها جدا فكان لزاما الإطاحة به واستبداله بعدو جديد للعرب. فالشاه لم يكن مسلماً سنياً بل كان مسلما شيعياً فارسي الفكر مثله مثل الخميني (رغم ان الخميني هندي الأصل) لكن الشاه كان معتدلا علمانيا الى حد كبير ومصالح الغرب لم تعد تتفق مع سياساته هذه.
تيقن العرب بعد سقوط العراق وتدميره بالكامل عام 2003 بان إيران هي أكبر خطر عليهم بل هي الخطر الأوحد فقد دمر نظام الملالي في إيران كل الدول التي دخل فيها بطريقة واضحة لا تقبل الشك انها تنُم عن حقد فارسي دفين عمره قرون طويلة لا سيما الثأر من الانتصار العراقي في فترة حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ضد إيران في حربها العدوانية والتوسعية ضد العراق هذا البلد الصغير حينها يسحق أسطورة سادس اقوى الجيوش في العالم وتدميره شر تدمير واقصد الجيش الإيراني الذي بناه الشاه, بأطول حرب في القرن العشرين التي امتدت لثماني سنوات وخرج العراق منها منتصرا في دفاعه عن نفسه لم يستطع فيها ملالي طهران بتدمير العراق اطلاقا ولم يحرزوا أي نصر ولو صغير عليه وقد سجل التاريخ هذا إذ لم ينتصر قائد عربي على الفرس لأكثر من 600 عام إلا في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
صار العراق وبالذات صدام حسين هو شرطي الخليج متزعما اقوى دولة في الشرق الأوسط يملك أكبر جيش فيها وهو اول جيش عربي لحد هذا اليوم يصنف دولياً ضمن اقوى عشرة جيوش في العالم ففي عام 1989 تم تصنيفه بسادس جيش في العالم من حيث القوة والعديد.
لكن وكما يقال آه من كلمة لكن، فقد حدث ما حدث وبخطأ بسيط دمر صدام حسين هذا الجيش الجرار بإثنين وأربعين يوماً فقط اثناء حرب الخليج الثانية او كما تسمى في العراق ام المعارك وانتهت اسطورة الجيش العراقي حينها لكن صدام حسين ظل شرطي الخليج رغم ضعفه فكان لا بد للغرب من إيجاد شرطي للخليج اقوى وأخبث.
فرغت الساحة امام عقارب طهران السامة وجائهم الضوء الأخضر للتوسع افقيا في دول الجوار وكان اول توسع لهم هو سماح الولايات المتحدة لهم بالتدخل والسيطرة على زمام الأمور في العراق بعد غزوه عام 2003 بل صارت إيران هي الامر الناهي في تشكيل أي حكومة وتنصيب رئيس وزراء للعراق كيف شاءت والعالم يقف متفرجاً لا سيما دول الخليج التي ذاقت الامرين بعدها وانكشف عجزها الفاضح وقرارها الكارثي والسماح بتدمير العراق فاصبح الصباح وإذا بإيران جارة لهم على الحدود بل ترسل لهم ضباطها وجنودها بجوازات عراقية دبلوماسية كي يكونوا مقيمين في دولهم وبحصانات دبلوماسية ورسمية عراقية يصلون الى أي ورقة ووثيقة يريدونها في داخل أروقة تلك الدول وحتى الحساسة منها يشتروها بثمن بخس وصل في كثير من الأحيان الثمن هو عاهرة روسية في دبي او حفلة ماجنة هناك لوزير او مسؤول خليجي او اماراتي فصارت إيران تعلم وتحصي عدد انفاسهم اظف الى ذلك المساعدات الاستخباراتية التي قدمتها الولايات المتحدة ضد دول الخليج لإيران والتي من المفترض ان للولايات المتحدة معاهدة امنية معهم منذ عام 1991 أي بعد حرب الخليج الثانية.
ولّدت هذه الظروف ما أصبح عليه الموقف الان وجعلت دول الخليج وبعض الدول العربية مثل مصر والسودان والمغرب والجزائر تراجع أولوياتها واجندة اعدائها فوجدت ان الخطر الأكبر ليس إسرائيل بل إيران التوسعية رغم ان الامارات وقطر والكويت وعُمان والبحرين لازالا يحتفظون بعلاقات تجارية ضخمة مع إيران ولم يتم قطعها اطلاقاً.
صار الحل الوحيد لدول الخليج والعرب هو، علاقات آمنة وتطبيع كامل مع إسرائيل كي تنتفي حاجة الغرب وإسرائيل إلى بعبع إيراني يخيف ويشغل العرب ويدمر بلدانهم.
قد يسال سائل " كيف سيغير القادة العرب لا سيما قادة المملكة العربية السعودية قناعات ومسلمات المسلمين بان إسرائيل أي اليهود لم يعودوا أعداء وكفرة "؟
الامر بسيط جدا، هذه الشعوب مسكونة بالماديات وتفاهات الحرية التي يعتقدون انهم مكبوتون عنها، فقط اعطهم مجال حرية لا يعدو عن سنتمترات من شعر المرأة وقاعات سينما مختلطة تعرض أفلاما رخيصة وبذيئة وحفلات غنائية عامة وتلفزيون بلا محذورات ومحظورات وتقطيع ومحرمات وفيز سهلة الى أوروبا وامريكا وبعدها سيؤمنون بان إسرائيل واليهود هم أفضل جيران للنبي محمد وجيرتهم فرض عين وان الشيعة هم كفرة يدنسون الدين الإسلامي ويحرفونه ويجب قتالهم.
لقد انقضى جيل عربي اصيل كامل سئم شعارات لا تنفذ ولا تتحقق فبدأ جيل جديد يريد شعارات وحقائق يلمسها بعينه ولا يريد القاعدة و داعش يدخل بلده وإذا كانت سفارة أمريكية في القدس تؤمن لهم كل ذلك فبها إذن.
Comentários