كبار الكُتاب و المحللين يجمعون بان نظام الملالي يعيش أيامه الأخيرة وهو سائر إلى تفتت بعد أن دخل نفق مظلم بسبب سياساته المليئة بالأخطاء والأخطار التي جابت عليه عواصف دولية ليس للنظام قدرة على تحملها ولم يتعظ ممن سبقه من الأنظمة خصوصا نظام الشاه محمد رضا بهلوي.
استعرض هنا بعض أهم الفقرات في مقابلة للكاتب أندرو سكوت كوبر مؤلف أشهر كتاب عن الأيام الأخيرة لشاه إيران "سقوط الجنة" هنا يحلل الأمور بدقة متناهية واضعا نتائج أحداث مهمة حدثت في السنوات الأخيرة فعلها نظام الملالي كفيلة بان تجعله على نفس السكة التي أودت بالشاه. أندرو سكوت أحد المتخصصين بالتاريخ الإيراني وله محاضرات ومقالات مرموقة بل مؤثرة عن الوضع داخل إيران وأطلق جملته الشهيرة "أن مهمة إيران تُشبه مهمة الاتحاد السوفييتي السابق، فقد دلفت الجمهورية الإسلامية إلى فترة الغسق، ويجب التفكير بما بعد ذلك"
أشار أندرو سكوت إلى عدة أمور عجلت بنظام الملالي للوصول إلى هذه الحالة المزرية جاعلة من الشعب الإيراني يحن لأيام الشاه لا نظام الملالي الذي بات يتخبط بشكل ملحوظ بل مثير للسخرية في السنين الأخيرة.
حيث يقول في كتابه "أنه في أعقاب حملة القمع العام 2009، أُصيب العديد من الشبان الإيرانيين بخيبة أمل من الإسلام السياسي، ووجدوا عزاءهم في الفن والثقافة الفارسيين ما قبل الإسلام. وأنا أدركت هذه الظاهرة في العام 2013 حين أمضيت بعض الوقت في قُم في إجازة أكاديمية". وقد دلّ حجم المظاهرات على أن الطبقات الاجتماعية نفسها التي كانت تُعتبر من أشرس الداعمين للنظام استسلمت لهذا الإعجاب.
التغيير عادة ما يأتي من الشعب وليس بالضرورة مظاهرات وإضرابات أو مصادمات بل قد يكون الشعب قد تهيأ نفسيا لأي تغيير أي أن الحكومة أو النظام بدأ يخسر الأرضية التي يستند عليها وهي مرحلة الترنح وهذا ما يحدث في إيران الأن.
اعتبر أندرو سكوت أن عوامل عديدة أشعلت فتيل الاضطرابات الإيرانية، وأن ما أثاره على وجه الخصوص هو رؤية إيرانيين من الطبقة العاملة والطبقة الوسطى الدنيا في البلدات الصغيرة والمدن متوسطة الحجم وهم يطالبون بإطاحة الجمهورية الإسلامية ويهتفون للمَلَكِيَة ولأسرة بهلوي المنفية. بالنسبة إلى العديد من المتظاهرين، الحالة البائسة للاقتصاد الإيراني والفساد هي التي وفّرت الظروف المناسبة كليًا لتفجير مشاعر القومية الفارسية المكظومة.
وهذه برأيي هي طبيعة الشعب الإيراني وقد ذكرت في تحليلات سابقة أن لكل بلد اسبرينه الخاص أي إن الدول العظمى ستُسقط النظام الإيراني لا بالسلاح العسكري إنما بالسلاح الاقتصادي والاجتماعي وهذا ما سيفعله ترامب فبمجرد الانسحاب من الاتفاق النووي سيهوي الاقتصاد الإيراني في بئر لا قرارة له ثم سينعكس سلبيا بل كارثيا على رغيف الخبز مما يجعل الشارع الإيراني بركانا لن يخمد قبل الإطاحة براس السلطة الدينية متمثلة بخامنئي وحرسه الثوري الذي يصارع هو الأخر من اجل البقاء فالفخ الكبير الذي تم استدراجه إليه كان أكبر من طاقته.
كما أكد الكاتب في مقابلة بهذا الشأن أن لا خيار أمام الرجال الذين يديرون إيران سوى إعادة تقييم طموحاتهم الإقليمية. قائلًا "سيتعيّن عليهم العثور على وسائل لتعزيز الإنفاق الاجتماعي، وإحدى الطرق ليفعلوا ذلك هي إعادة توجيه الموارد بعيدًا عن وكلائهم الإقليميين الذين استهدفهم شطر كبير من الحنق المحلي، ودفعها (الموارد) نحو الاقتصاد المحلي. سيكون عليهم التركيز على خلق فرص العمل، والمزايا الاجتماعية، والإسكان. وعلى المدى القصير على الأقل، قد يبدون رغبة في إبرام صفقات لإنهاء نزاعات تستنزف الكثير من الثروة الوطنية. يمكن للملالي أن يكونوا مرنين حين يريدون ذلك، إذ من في وسعه أن ينسى قرار الخميني بـ"تجرّع السم" وإنهاء الحرب مع العراق؟
لكن، لماذا يجب على السعوديين القدوم إلى طاولة المفاوضات فيما هم يشتمّون رائحة الضعف في إيران؟ ثم إن التذبذب غير المتوقع في أسواق الغاز والنفط، بما يحمله من مضاعفات سلبية على الخزانة الإيرانية، سيلعب دورا مهمًا فيما سيحدث لاحقًا.
وقال أيضا إن "الملالي اكتشفوا القومية في وقت متأخر. الخميني بالطبع أعرض عن القومية، إلى أن شعر بالحاجة إلى تعبئة الإيرانيين خلال الحرب مع العراق. وفي السنوات الأخيرة، رأينا النظام يحاول (ويفشل) في استلحاق التقاليد الفارسية. فقد أسفرت جهود الإعلام لتشويه صورة أسرة البهلوي عن نتائج عكسية لأنها سمحت بالحديث عن هذه الأسرة علنًا. وفي أعقاب المهرجان الكبير في ضريح كورش الكبير في باسارغادي في أكتوبر 2016، والذي فاجأ السلطات، جرت محاولة غبية للإثبات أن النبي محمد له علاقة بكورش. وهذا يوحي بأن القيادة مشوّشة نوعًا ما وغير واثقة من كيفية الرد".
ويرى أن نقطة التحوّل الرئيسة في تطور الاضطرابات تمثّلت في الإقبال الكبير للناس على باسارغادي في أكتوبر 2106. فمثل هذا التمرين على التعبئة الجماهيرية لاقى تجاهلاً من الإعلام الغربي ومن المحللين الإيرانيين المقيمين في الغرب. لقد قُدِّر عدد الجمهور بنحو 100 ألف، وصوّروا وهم يهللون ويدعون إلى عودة عائلة بهلوي وإعادة النظام الملكي.
نلاحظ من هذه الأحداث أن الملالي يتخبطون بشكل هستيري ولا يدرون ما يفعلون فقط للبقاء على الكراسي فأكبر فخ دخلوا فيه بغباء مطبق هو العراق ثم جذبهم السكوت الأمريكي وسحبهم مع الروس إلى سوريا التي كان بوتين يعلن ويتباهى بانه لن يُجر إلى أفغانستان جديدة ولكنه وبكل غباء دخل المستنقع فقد اعتقد أن المستنقع له نفس الطعم واللون والرائحة القديمة وإذا به يجد نفسه في مستنقع شامل أي هو وحلفائه في إيران وبِحُلة عصرية لا يمكن مقاومتها.
يتابع الكاتب "مثل هذا المنحى شكّل منعطفًا عن حقبة السبعينيات، حين رفض الشبان الإيرانيون أسلوب الشاه محمد رضا بهلوي وتبنّوا كل مجالات الإسلام الشيعي. واليوم، أطفال وأحفاد هؤلاء الثوريين يوظفون التقنيات القديمة التي استُعملت لتقويض الشاه، لكن هذه المرة ضد الملالي. فالملابس التي يرتدون، والموسيقى التي يسمعون، والكتب التي يقرأون، والأماكن التي يزورون في الإجازات، تعكس حبّهم للثقافة الفارسية ورفضهم الضمني للإسلام السياسي. وبهذا المعنى، هم يعرفون تاريخهم بشكل جيد للغاية في الواقع".
أما بالنسبة إلى التشابه بين الجمهورية الإسلامية وبين نظام البهلوي، فيعتبر أنها تبدو واضحة في الرغبة في استعراض النفوذ الإيراني في طول المنطقة وعرضها. بيد أن الشاه كان مقيّداً بظروف الحرب الباردة وبالنظام الدولي الليبرالي الذي تعهّد الدفاع عنه، هذا في حين أن الجمهورية الإسلامية تسعى إلى استغلال فراغ القوة في المنطقة مع إنسحاب الولايات المتحدة من العراق. الشاه كان سيشعر بالهلع لو رأى اليوم كيف تتصرّف إيران. وقد أبلغني أحد أفراد أسرة البهلوي أنه سعيد لأن الشاه مات في بدء الحرب العراقية- الإيرانية، لأن هذا الحدث كانت دمّره تماما".
وعبر الكاتب عن تفاؤله بأن "الولايات المتحدة وإيران ستكونان أصدقاء مجددا. إذ لدى الأميركيين والإيرانيين الكثير من الأمور المشتركة، على رغم أن الشعب الإيراني أكثر اندفاعاً في هذا الاتجاه من الأميركيين الذين لازالوا يعيشون في فقاعة 1979. الأنظمة لا تدوم إلى الأبد، والتغيير يحدث حيث لا تتوقعه".
عن أي نظام نتحدث هنا، على أي حال؟ عن نظام يبدو غير شعبي للغاية إلى درجة أن شعبه يفضّل إعادة عقارب الساعة 40 سنة إلى الوراء؟ على رغم أنه لا يجب الاستهانة بإيران، إلا أنها تُشبه من نواحٍ عديدة مهمة الاتحاد السوفييتي السابق. لقد دلفت الجمهورية الإسلامية إلى فترة الغسق، وأعتقد أنه يجب أن نبدأ بالتفكير بما سيأتي بعد ذلك".
أندرو سكوت كوبر هو مؤلّف كتابين مرموقين: The Oil Kings: How the U.S., Iran, and Saudi Arabia Changed the Balance of Power in the Middle East (سايمون أند شوستر، 2011)، وThe Fall of Heaven: The Pahlavis and the Last Days of Imperial Iran (هنري هولت آند كو، 2016).
درّس كوبر في السابق في جامعة كولومبيا وعمل في هيئة الأمم المتحدة ومنظمة هيومن رايتس ووتش.
Comments