لماذا كان دور الخُميني حتمياً في حياة إيران! وما الذي جعله يصل للسلطة بسهولة ! مَنْ هو صدام حسين المنطقة الجديد! نهاية دور دمى واصنام خلقتها قوى ولوبيات دولية لمرحلة ما يبدو انها شارفت على الانتهاء لتبدأ مرحلة جديدة دون تلك الاصنام.
بعد قدوم ترامب الذي لا أدري تحت أي منطق ومعلومة استراتيجية عوّل عليه الكثيرون بانه سيحارب أكبر دول مستثمرة في أمريكا وأكبر حلفاء لأمريكا بعد إسرائيل في المنطقة. لم يتابع أحد كلمات ترامب الانتخابية عندما قال " لن ادع أحد ان يعبث مع السعودية" وأيضا كرر مرارا كلمة " سأحارب الإسلام الإرهابي الراديكالي" وهو نفس الوصف الذي تقبع تحته إيران في قائمة الدول الراعية للإرهاب التي لا وجود للسعودية او دولة خليجية في تلك القائمة والتي بات من المحتمل جدا ان يتم ضم قطر لهذه القائمة إن لم تتراجع عن مواقفها رغم انها وصلت نقطة اللاعودة وبات التغيير فيها مسالة وقت. هؤلاء المعولون على جسارة ترامب ينطلقون من مبدأ عاشوا عليه لمدة أربعة عشر سنة عجاف وهو مبدأ الطائفية الذي الجلوس تحته لهذه الفترة الطويلة يترك أثر بليغ على طريقة تفكير وموقف أي شخص حيث لم ينطلق هذا التفكير من مبدأ وطني او مهني وإلا فهو يحكم (أي المذهب الشيعي) في العراق وسوريا مثلا فلما يعول على دحر السعودية او أي دولة خليجية او عربية لا تسير تحت عباءة إيران فقط لأنها لا تدين بنفس دينه لو لم يكن انطلاقا من مبدأ ديني - خميني بحت وهو تصدير ما يسمى (الثورة الخمينية) إلى خارج إيران!
مصطلح الإسلام السياسي هي اسوء تعبير يختبئ خلفه هؤلاء المعوّلون حيث كثيرا منهم عرف ان نهاية المطاف والوضع الحالي كقوة توسعية تقودها إيران باتت حتمية فصار ينثر التراب بهذه المصطلحات كي يغير موضعه الدفاعي وينزع جلد ثعبانه الطائفي الذي تخندق حوله لسنين طويلة بل تكاد ان تكون حتى ما قبل عام 2003 الأسود الذي جاء بهذه العقليات ودفع بهم لماهم عليه الان وبالطبع هنا نتكلم على سياسة الولايات المتحدة الامريكية آنذاك ظانا ان الحقيقة لم تعد مكشوفة وان غباره سيغطي عين الشمس. أصاب اليأس كل الوطنيين بان أمريكا لن تغير شيء وان إيران هي صنيعة إسرائيل وامريكا ولن يقفا ضدها بل هي أداة عميلة فهي تدمر العرب والإسلام سوية دون ان تطلق رصاصة ضد إسرائيل او أي مصلحة أمريكية ولهم حق في ذلك في اطار اليأس الاجتماعي الجماعي الذي أصابهم لما انتجته سياسات الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش وخليفته أوباما الذي وصفه ترامب بأفضل واخطرُ وصف في تاريخ السياسة الامريكية بانه ووزيرة خارجيته هيلاري كلنتون قد صنعا سوية اسوء تنظيم إرهابي عرفته البشرية وهو داعش وطبعا كردة فعل نشأ ماعش الذي اثبتت الحوادث بانه لا يقل شراً ويدعمه نفس المصدر.
من قال ان أمريكا وإسرائيل لا تغير سياستها وخططها ومتى حدث هذا أصلا! لا استمرار لدولة ان ارادت ان تبقى عظمى او قوية مع استمرار خططها وسياساتها الآنية على ماهي عليه فالخطة التي توضع يكون لها فترة صلاحية تزول سواء بتحقيق الهدف ثم العبور لمرحلة قادمة بأبطال جدد وخطط أكثر دهاءً او بفشلها بعامل طارئ ليس بالحسبان.
كي لا نخوض كثيرا في تفاصيل بعض المعلومات الاقتصادية عما يربط الولايات المتحدة الامريكية ودول الخليج من اتفاقيات شراكة وليس عمالة كما كانت تربط بين إيران وامريكا والتي عادة ما تنتهي بانتفاء الحاجة للعميل برصاصة في الرأس.
نستذكر بعض الحقائق الاقتصادية الاستراتيجية فالسعودية تمتلك ثاني أكبر صندوق سيادي خارجي في الاقتصاد الأمريكي بمبلغ ناهز الـ 700مليار دولار أي انه استثماري ويجني أرباحا مهولة ايضا. اثنان من أكبر الصناديق الاستثمارية الخارجية في أمريكا هما السعودي والاماراتي ويأتيان ضمن أكبر 5 صناديق سيادية عالمية و3 صناديق خليجية ضمن أكبر 10 صناديق سيادية في أمريكا.
تم دعم حملة ترامب الانتخابية واستمر الدعم حتى بعد انتخابه فعلى سبيل المثال لا الحصر فور تسنمه المنصب حولت السعودية مبلغ 100 مليار دولار لصندوقها السيادي في أمريكا. ثم جاء ترتيب الزيارة التاريخية التي سيتحدث عنها الأجيال وسيُقال العالم قبل العشرين من أيار 2017 وبعد العشرين من آيار 2017 التي شملت 3 عواصم لثلاث اديان تحكم العالم وهي الرياض والقدس وروما. عقد صفقات كان مجموعها قد ناهزَ الخمسمائة مليار دولار امريكي على مدى العشر سنوات القادمة من ضمنها 350 دولار فقط لمعدات واسلحة عسكرية جعلت المملكة العربية السعودية من ضمن الدول العشر الأولى الأكثر تسليحا تكنولوجيا في العالم كما شملت على بناء مصنع لتجميع طائرات الاباتشي في السعودية بقيمة 10 مليارات دولار ثم تأتي الاستثمارات المتبادلة بين الشركات الامريكية والسعودية. فكيف يضرب لوبي ترامب كل هذه المليارات عرض الحائط كي يحابي دولة يعصف الحصار بها والكره من جميع جيرانها وداخلها يغلي!
لا ننسى إن الفخ الذي وقعت به إيران بدفع واضح من قبل الإدارة الامريكية رغم اني ذكرت انها سياسية الإدارات السابقة (بوش- أوباما) يبدو انها كانت فعلا فخا تاريخيا وجرى بجدارة فخطة محور الشر ( العراق – إيران – كوريا ) التي وضعتها إدارة كلنتون ابان إدارته التي وصفت بانها انجح إدارة في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية والتي تشبه أيضا واحدة من انجح الإدارات في تاريخها وهي إدارة ريغان الذي دعم العراق دعما لامحدود في حربه ضد إيران فلازالت هذه الخطة قيد التطبيق فتم الانتهاء من مرحلة العراق بإيغال إيران الى المستنقع العراقي- السوري – اليمني بمليشيات فاقت الـ 70 ميليشيا كلها عبارة عن ماكنة لتخريم الاقتصاد بدون أي ناتج يرضي الشعب الإيراني اطلاقا متزامنة مع الحصار السائر على إيران منذ اكثر من 10 أعوام واتفاق نووي ليس له قيمة الحبر الذي عليه الامر الذي جعل النظام الإيراني يغرد خارج سرب الشعب وهذا هو المستنقع الأكبر فهلاك الأنظمة يأتي من تعاسة شعوبها اولا. فكان العراق هو فيتنام إيران لا كما ارادت إيران لأمريكا ان يكون فخروج إيران من هذه الدول يعني تفتيتها وبقائها يعني انهيار اقتصادها تماما فصار الطوق محكماً.
دخل نظام الولي الفقيه نفقا يشبه الى حد كبير نفق الشاه الذي كان مدعوما بشكل لا يوصف من قبل الغرب مما جعله خامس اكبر جيش في العالم قوة وتسليحا (نظام خميني لم يكن مدعوما ولو إعلاميا حتى) بل كان الشاه يسمى شرطي الخليج حتى انتهت اسطورته بعد ان فقد اهم عامل وهو الشعب وأيضا نسي وظيفته وهي عدم التقارب مع العرب فتقارب اليهم مضطرا (اتفاقية الجزائر مع العراق 1975 ووقف دعمه للمتمردين الاكراد في شمال العراق) فشعرت إسرائيل والغرب بالخطر فتمت إزالته وزرع نظام هدفة الغير مُعلن اقذر من المُعلن وطيلة 3 عقود لم يطلق هذا النظام الديني ظاهريا رصاصة واحدة ضد إسرائيل التي ملأت خطاباته بل اطلقها كلها ضد شعبه وضد الشعوب العربية المسلمة والمجاورة حصرا.
فجاءت المبادرة العربية عام 2006 (صاغتها السعودية في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز بتأييد عربي وإسلامي واسع) التي لم تأخذها إسرائيل محمل جد او لنقل ارادتها لما بعد حين حيث لم تكن شعوب المنطقة بعد مستعدة لقبول إسرائيل كشريك أبدي في المنطقة فتقاطعت هذه الإرادة الإسرائيلية مع رجوع روسيا للمنطقة والعالم واستخدام إيران كخنجر متعدد السموم ضد التوسع الأمريكي للمرحلة الثانية من خطة محور الشر وهي إيران للوصول للهدف النهائي وهو تطويق الصين وروسيا والتي بدأت بأفغانستان التي اكلت طعمها روسيا مرتين في اقل من ربع قرن. (تحدث الرئيس الروسي بوتن في أحدث مقابلة له عن خطة التطويق الأمريكي لروسيا)
أوهِمتْ إيران بانها تستطيع الاعتماد على الشيعة في العراق وبعضهم في لبنان وسوريا واليمن في التوسع في المنطقة وظهر هذا جليا في تصريحات نظام الولي الفقيه في مختلف الاحداث والمناسبات فمثلا صرح الحوثي عندما انقلب على النظام المنتخب في عدن بانها العاصمة الرابعة ويقصد بعد طهران بغداد ودمشق في صورة واضحة استفزت كل أصحاب القرار في الخليج ونسيت ان الأغلبية هم عرب والعرب لا يودون إيران اطلاقا أي ان توسعها سيكون وبالا عليها عاجلا ام اجلا هي فقط لم تصل لدول فيها اغلبية سنية بعد. فجاءت الثمار بعد زرع طويل لصعود نجم ولي العهد السعودي الذي كان من المؤكد انه ملك السعودية القادم منذ اكثر من سنتين لاسيما الإشادة والاهتمام الواسع به من قبل لوبيات صنع القرار الأمريكي والاوربي بل وحتى الإسرائيلي هذا الشاب الذي استهدفته القاعدة من دون الامراء بمحاولة اغتيال كانت ذا تخطيط دقيق جدا ومعقد لكن تم افشالها بتعاون استخباراتي غربي – سعودي بل وذكره بها مدير المخابرات الامريكية الحالي عند زيارة ولي العهد لأمريكا ولقائه الرئيس ترامب وقال له " كنت ستموت " والذي دشن مرحلته المبكرة بإعلان عدائه الواضح والصريح لمخططات إيران فكان ما كان حتى اتى تصريحه قبل أسابيع من ضرورة نقل المعركة الى الداخل الإيراني ويعد هذا ابرز واخطر تصريح علني رسمي للسعودية ضد إيران منذ عقود بل قد يكون الأخطر على الاطلاق, فكان لزاما على دول الحلفاء سواء العربية او الغربية ان تبدأ بخطة قطع الراس ابتداءً من وقف تمويل الإرهاب من قبل قطر هذه الدويلة التي انطبقت عليها مقولة " وعلى نفسها جنت براقش " فلم يتعظ اميرها السابق الذي اُقيل بأمر امريكي في يوم وليلة واعتقد ان ابنه سيكون الواجهة وهو يأمر وينهي كالعادة من خلف الستار وهذا ما حدث فجاء حتف الأمير الصغير سريعا وبدأت قطر تنهار فقط بعد أيام من بدأ مقاطعتها من جيرانها الخليجيين لقطع دابر إيران نهائيا في المنطقة ولا اخفي ان هناك دويلة أخرى قد تواجه نفس المصير إذا مالم ترعوى من الدرس القطري فورا.
من جهة أخرى بدأ الناخبون في إيران بالإحساس ان روحاني قد خدعهم فبعد أسابيع من إعادة تدويره في جمهورية الولي الفقيه وكانت تدعي الصحافة إنه (إصلاحي) بدأ بإعادة بل توثيق وتعزيز كل أوامر التعسف بل والإيغال فيها فهيء للمستقبل حنقا أكثر لدى الشعب للنظام دون ان يدري ودخل نفق الشاه المظلم معولين على خدماتهم التي قدموها لإسرائيل ونسوا ان إسرائيل لا تبحث عن حلفاء بل عن عملاء ودورهم انتهى بانتهاء الخطر وزواله.
ابعد هذا ستُبقي اللوبيات الغربية على هذا النظام المًتداعِ والمكروه من الدول العربية لا سيما الخليجية الحليفة للغرب! يبقى ان نضع نصب اعيننا ان غليان الداخل الإيراني يسير بخطى واثقة عكس اتجاه عقارب الولي الفقيه فالعالم يتغير نحو الانفتاح والحرية الكاملة وليس نحو دول تقطع خدمات الانترنيت كل 5 دقائق وتغلق مواقع ضد نظام يصف نفسه بانه منزل من السماء لكنه محاطا بأكثر من 40 قاعدة عسكرية أمريكية ليس التصييف من أهدافها حتما.
رياض بدر
كاتب وباحث مستقل في الشأن الاستراتيجي الإقليمي والدولي
Comments